• في البدء .. أنا
  • حديث بيننا..
  • وحدثوا عني ..
  • قلته على ورق ..
  • كلام الصورة

  • عدد التعليقات:18 | 2,467 قراءة للموضوع | فضاء: سرديات | Print This Post |

    حـلـــم مهشــــم

    الكاتب: - يوم: 16 March, 2008

    حكى .. فقال :

    - تزوج فلان ، امرأة ملكت عليه فؤاده ، لكنها فاتته …

    - كيف فاتته .. ؟

    ـ طلقها وتزوجت غيره ..

    ثم أضاف …

    ظلت مقيمة في قلبه ، لا تغادره ، وحاول كثيرا أن يسلوها ، فلجأ إلى الزواج . صار يتزوج ثم يطلق ، لأنه لا يجد في المرأة – التي يريدها بديلا عن نوره- ما استقر في سويداء قلبه لها .. لنوره ..

    يكمل حديثه .. ويقول:

    ـ حاول بشتى الوسائل أن يقترب من نوره ، لكن كيف السبيــل إلى ذلك .. ؟

    صار يهيم بها ، ويتمنى ، ويقول الشعر ، بعد أن أطفأ اليأس جذوة الأمــل في قلبه ..

    ثم أنشـأ يردد أبياتا من الشعر ، تنضح ألما ، وتصور شفير اليأس الذي أشرف عليه :

    آخذ وخلى لين قلبي يليني

    لين إني ألقالي خليلن أصافيه

    يا لقلب لو صافيت كم من خليلن

    الخل الأول منت يا لقلب لا قيه

    لوا على ادري هو خليلي رجاوي

    هو له هون بي مثل مالي هون بيه

    يما ترسنا القلب له بالموده

    ولاً يسج القلب ما عاد يطريه

    مضى يتحدث عن الرجل ، وحبه لنوره .. المرأة التي أصبحت ولا سبيل إليها ، وهي في ذمة رجل آخر . المرأة التي يستطيع .. لو أراد ، أن يصل إليها ، ولكن يمنعه العفاف . المرأة التي يريدها روحا ، مثلما يريدها جسدا . ��لمرأة التي يحسها في قلبه .. أكثر مما يراها بعينيه .

    كان .. وهو يتحدث عن موقف الرجل ،يرسم لوحة جميلة ، لأحلام لا يمكن أن تتحقق ، ولعلاقة شائكة يتقاطع فيها القلب والعقل ، والممكن وغير الممكن ، ويصطرع فيها الحلال والحرام .

    كان ، وهو يتحدث عن موقف الرجل من حبيبته ، وعن تهويماته ، وحديثه لنفسه ، كأنما دخل قلبه وأشرعه للضوء ، فأزدحم فضاء المكان بأوجاعه .. وبرائحة الحزن .

    ثمة صوت :

    - هذا من أجمل … ومن أشقى ما سمعت … كأنك فتقت الجروح .. انظر من حولك كيف يستمعون إليك ..؟

    ثم اضاف :

    - أستطيع أن اترجم الشعر والكلام الذي قلته عن صاحب نـوره إلى لغة أخرى . أستطيع أن أدخل قلبه وأعيد قراءته ، ثم أنتقى منه مشاعر ، يحتاج كثيرون إلى سماعها ، وإلى قراءتها .. ليبكوا ، وليتعلموا ، وليتطهروا ..

    فالسير النقية تشيـع الطهارة . .

    صمت .. كأنه يعطي الإذن لتقمص شخصية صاحب نوره ، للدخول في قلبه ، ونبش زواياه ، وعرض الصور المتناثرة الجميلـة ، في لوحة تنبض فيها الحروف ، مثلما يسمع منها أنين الجرح .

    قـال :

    - هآ نذا أدخل قلب صاحبك الذي أحب ، ولم يجد لحبه شاطئ يؤوب إليه ، صاحبك الذي صنع إمرأة بيدي خياله ، ثم أطلقها تفتك في قلبه ، فا سمع ما يقول :

    (( حبيبة القلب … وقعه إذ تمشين .. يا عذبة الروح . . كان كل شئ في دائرة المعقول حتى عرفتك .. فأين يمضي هارب من دمه …؟

    مهجة القلب … بقدر ما أحببتك .. لا أفهم ما الذي جعلني أحب امرأة .. هي أنت ..

    قلت لك دائما ، أنني عشقت فيك الروح قبل الجسد … وقلت إني جائع للمعاني التي يمثلها وجودك الإنساني:

    اللطف … الرقة … التضحية … العطاء.. الوفاء .. وذلك الهدوء الهائل ، الذي يمتص كل صخب الحياة وأوجاعها . .

    تلك الروح التي كلما تناثرت مزقا .. فتحت لي صدرا . . ألملم فيه اشلاء نفسي الجريحة

    وقلت أن في أعماقي يدوي حنين للإنسان ، الذي تتمثل فيه هذه المعاني .. حنين ظل ينهش طويلا في كبدي …

    كأنك قاموس الفضائل يمشي على الأرض ..

    فإليك أنت حديث القلب هذا :

    إليك أنت التي رحلت عميقا … فاضطربت اللجه .. وبقيت أنا ، أصارع موجا لا قبـل لـي به ..

    أنا من أنزلك إلى أعماقي ، وأنا من يتحمل صخب الموج …

    فإلي متى استطيع أن أقاوم ..؟

    ستبقين الشاطئ الذي أتوق للوصول إليه .. وملابسي بيضاء نقية ..

    ليس بها بلل ..

    كيف السبيل إلى ذلك ، وأنت طوق النجاة .. وأنت ، في الوقت نفسه ، البركان الذي تفجر في الأعماق فأنشأ هذا الموج الهادر … ؟

    تقولين ماء لا استطيع أن أمسكه .. وأنا العطشانه ..

    مـا أقول أنا … ؟

    وأنا الذي يريد أن يصل إلى الشاطئ بثياب بيضاء نقية ، وبلا بلل . .

    ويشرب ماءا عذبا (حلالا) ، يمسكه بيديه … يتحسسه ، ثم يريقه على وجهه ، ويظل يرتشف القطره .. تلو القطره ..

    دون أن يلتفت .. أليس هو ماؤه .. ؟

    دون أن يتوجس .. أليس هو ملكه .. ؟

    ثم يستلقي على الندى الذي يصنعه ماؤه ، ويغمض عينيه على نسمات باردة ، يشيعها ذاك الندى .. وتعطرها أنفاس طاهرة ..

    على إيقاع همسات تهدهده ، وتسكب في عينيه خدرا لذيذا .

    يريد أن يصنع ذلك ، دون أن يقتله العطش لماء ليس له .. ودون أن يعذبه ضميره .. ودون أن يصطرع في داخله العقل والقلب .. ودون أن تتخطى الرغبة المبدأ .. أو تعلو اللذة القيمة . .

    قلت مرارا أنك أسمى عندي من نزوة عابرة .. وأنك فوق الحس ومعايير اللذه .. وستبقين كذلك . .

    إن أنا لم أصل للنبع تحت ضوء الشمس ، وأنهل منه (حلالا) ، وأتحسس الماء ، وأغمس فيه جسدي المتعب ، ويغمرني ..

    فأشعر به يتخلل جميع مساماتي ، فتدب في الحياة التي طالما اشتقت إليها .. لهمسها .. لضحكاتها العذبه …

    لنظرة تحتويني ، فتذيب العناء ، في قلبي الموجوع .. وأسمع :

    هلا عمري .. هلا روحي .. هلا حبيبي …تخرج من بين شفتين ، تضجان بالحب قبل الرغبة …

    إن لم يكن ذلك .. فلا أقل من أن أقف (بعيدا) أرقب الماء يتدفق عند الأصيل ، لعل نسمة باردة نديه تهب من جهته .. فتخالط اللهب المشتعل في جوف أصر على أن يبقي نقيا .. وآثر أن يظل النبع طاهرا ..

    لم يتلوث برماد يخلفه حريق الرغبة .. وحمى الجسد ..

    ثم إذا ابتلع الافق الشمس ، وجثم الظلام ، انكفأ على جرحه وبكى … لعل أزيز قلبه الموجوع يحرض النجوم على الرحيل بسرعة ..

    لتشرق الشمس .. فيعود ليرقب (ماؤه) الذي ليس له …

    يرقب الاشعة البكر .. تمازج حبيبات ماء منهله العذب ، الذي لا يستطيع إليه سبيلا .. لأنه آثر النقاء . .

    يرقب الضياء يخالط الصفاء ، فيتشكل من إلتقاء النقاءين مزيـج : هو حبيبته .. حوريته . .

    لروحها شفافية الماء ونقائه ، وألق الشمس وصفائها ..

    ولجسدها طهارة الماء ، وعذرية الشمس التي تتجدد كل يوم .

    سيدة القلب …

    قلت لك أنني أنا المعنىً الذي ظل يبحث عن السكينه … عن روح يمتزج بها .. يأوي إليها ، كلما أنهكه التعب .. وحاصره العناء .

    … عن صوت يلتحف به كلما اخترقه الضجيج .

    … وحدثتك يوما أن الطفل في داخلي لم يكبر .. وقلت لك خذيه إليك ..

    وحدثتك أنه نشأ يتيما .. وعاش جائعا .. عطشا ، لصدر يحتويه ..

    وكف تربت على رأسه …

    ظل يبحث في كل خيال أسود عن جنته ..
    كلما سمع صوتا فر نحوه… يا ويح أمه .. حيث ثمت لا شئ ..

    سوى الفراغ .. وتمثال جامد بوظائف بشرية ..

    يا ويح الطفل في داخلي ..

    صرخت طويلا … طويلا ..

    من ينظر في عينيه الزائغتين .. من يأخذ وجهه الصغير بين كفيه .. من يقول له :

    - ” وش فيك يا بابا .. ليـش يــا ��بيبي .. ” ؟

    يا ويح الطفل في داخلي متى يضع رأسه وينام .. ؟

    حبة القلب …

    قبل أن يعرفك قلبي كنت في عناء واحد .. وأنا الآن أصطلي بعناءين :
    الأمل الذي مثلته لي .. فغدا سرابا ..

    الماء الذي أراه – وأنا العطشان – ولا يحق لي أن أرده ..

    وواقعي الذي أعياني دواؤه ..

    أنا الآن أعذب نفسي بحب لا يطفئ ظمأي …

    فبمن ألوذ حينما يحاصرني الحصار .. ؟

    أين الحضن الذي أضع فيه رأسي .. عندما يخنقني الضجيج .. ؟

    أين الصدر الذي سيضمني .. حينما تنهال علي مطارق القلق .. ؟

    أي دمعة ساخنة ستسقط على وجهي ..

    لتذيب الصقيع الذي أمات النبض في أعماقي .. ؟

    أين مني همسة حانية تنسل إلى وجداني المجروح ..؟

    من .. وأين .. ، وألف ( من ) ستثور ..

    ولا تجد إجابه ..

    أنا أعرف أني سأظل ألاحق وهما إسمه .. الحلم .

    حلمي بأن أستريح .. حلمي بأن يهدأ قلبي ..

    الذي ما انفك يبحث عن السكينة بين عينين دافئتين .. تصبان الحنان في جوانحه التي قتلها الجدب . .

    و أعرف أني أعيش وهما .. سيؤل إلى تجربة أخرى فاشلة . .

    إن الحلم ، الذي لا تستطيع أن تنزله من فضاء الخيال ، وتتحسسه ، وتحس به جزءا منك ، وأنت جزء منه ، سوف تضطر أن تصعد إليه .. لشئ واحد فقط ..

    من أجل أن تهوي من عليائه فتتهشم …

    ثم تعود بعدها لتجمع حطامك ..

    حطام قلبك المثخن بالخيبات ..

    وحطام ذاكرتك الملأئ بالتجارب الفاشلة …

    أي قلب لك بعــدها ، قادر أن ينهض ، يداوي جراحه .. يلملم حطامه ..

    ويبتسم …

    يبتسم .. ؟

    يا للسخرية المريرة ..

    لا أمل لك ..

    لأنك دائما تبدأ بدايات غير صحيحة … تضع قدمك على طريق تعرف نهايتـه ..

    ستقول :

    - هو قلبي الذي يخطو مثل هذه الخطوات . .

    ـ قلبك .. ؟

    دع قلبك ينفعك .. قلبك الذي يعذبك لأنك لم تقبل واقعا ، تعلم يقينا ، أنه لا يمكن تغييره .. وقلبك الذي يعذبك ، لأنك تتطلع إلى ( واقع ) لا يمكن أن تحصل عليه ..

    لماذا تعذب نفسك بالحلول المؤقته .. ؟

    لماذا تتحــول إلى مسكن أوجاع لآخرين .. وهماً منك .. أنك تداوي أوجاعك .. ؟

    هل لأنك أدمنت الوجع .. صرت تتلذذ بالألم .. ؟

    متى تسكن ..؟

    متى تمسك بالسكينه بين يديك .. ؟

    متى تضمها إلى صدرك .. وتطلق الزفرة الأخيرة .. ؟

    متى تغمض عينيك ، وتستسلم لرقاد طويل .. جميل ، على ساعدها .. ؟

    متى ..؟

    هل ترى في آخر النفق ضوءا .. ؟

    أم أنت تستعد لجولة أخرى فاشلة .. رغم أن الصدى في أعماقك يجلجل :

    ـ ” أو يسج القلب ما عاد يطريه ” ..

    لك العزاء أيها القلب الذبيح ..

    عدد التعليقات:18 | 2,467 قراءة للموضوع | فضاء: سرديات | Print This Post |

    اترك أثــراً..