• في البدء .. أنا
  • حديث بيننا..
  • وحدثوا عني ..
  • قلته على ورق ..
  • كلام الصورة

  • عدد التعليقات:1 | 2,977 قراءة للموضوع | فضاء: مقالات | Print This Post |

    حـوار في السـيرة مع د.محمـد الحضـيف: مجلة (الإسلام اليوم)

    الكاتب: - يوم: 7 January, 2009

    س1 : في بواكير حياتك ، هل كنت تخطط لأن تصبح روائياً ، أو إعلامياً ، أم أن الصدفة هي التي قادت خطاك إلى هذه الاتجاهات ؟

    نشأت في أسرة عادية ، ليس من بين أفرادها ، من كان له اهتمام بالكتاب والقلم . في مرحلة الدراسة المتوسطة ، صار عندي ميل للقراءة ، من غير تحريض من أحد . كنت أوفر جزءاً من مصروفي المـدرسي ، وأذهب على قـدمي ، إلى وسط الرياض القـديم ، الذي يسمى ( البطحاء ) ، حيث تباع على الأرصفة كتب ومجلات قديمة من كل نوع .. فأشتري وأقرأ ، ثم أعود وأبيعها على نفس الأشخاص بسعر أقل ، وأشتري غيرها .
    لم أخطط أن أكون روائياً .. ولا حتى كاتباً ، لكني مع كثرة القراءة ، وجدت الكلمة تنقاد لي حينما أكتب .. خصوصاً في مادة الإنشاء ، التي تعودت أن آخذ فيها العلامة الكاملة . الذي خططت له فعلاً ، أو أصبح حلماً يراود خيالي باستمرار ، هو أن أصنع لي مكانة اجتماعية في مجتمعي .. من خلال التعليم . حين نجحت من الصف الثالث متوسط ، كان طموحي قد كبر واستوى على سوقه : قرّرت أن أتفوق .. لأكمل دراستي العليا ، وأكون دكتوراً . ��ذكر عصر ذلك اليوم ، من أيام عطلة الدراسة الصيفية .. حين جلست على كرسي خشبي أرسم مستقبلي ، في دكان لأحد الأقارب .. عملت لديه في إجازة الصيف ، مقابل مكافأة كانت صغيرة ، لكنها بالنسبة لشاب في السادسة عشرة من عمره ، تعني شيئاً كبيراً .
    سرحت بخيالي نحو مستقبل ، تبدو معالمه ، وتغيب تفاصيله .. والخطوات إليه واضحة . سرقتني الأحلام من واقعي البسيط ، إلى مستقبل واعد مليء بالفرص . شعرت بأن النقلة لن تكون سهله ، في مجتمع ليست ( الكفاءة ) جسراً للوصول إلى الأهداف الكبيرة ، وتحقيق الذات . كنت من أسرة ذات نسب ، لكنها لم تكن أسرة ( أرستقراطية ) .. عريقة في الثراء أو في السلطة . اشتهرت عائلتي بخصلتين : الشجاعة والأنَفَة . كان واضحاً أن الشجاعة لا تنفع كثيراً في دولة ( القانون ) والشرطة ، وأن الأنَفَة تضر بالفرد ، في ظل ثقافة ، تعلي من شأن المجاملة ، إلى حد تكريسها ، نمطاً من أنماط التزلف والنفاق الاجتماعي .
    غبت عمّا حولي ، متعلقاً بنظرة مستقيمة تتصفح المستقبل . لم يُعِدْني إلى الواقع ، إلاّ منظرها ، تمرق من أمامي .. على الجانب المقابل من الشارع ، تسوي من حجابها ، وهي خارجة من باب دارهم .. لباب آخر بجوارهم . تعمّدت أن تبدي لي لا مبالاتها ، وعدم اهتمامها بنظرتي المركزة المشدودة إلى الأفق ، التي صادف أن وقعت عليها ، وهي تعبر إلى بيت جيرانهم . اهتز قلبي الذي عصفت به رومانسيات الروايات ، التي كنت قد أدمنتها ، فتخيلتني إحدى شخصيات إحسان عبد القدوس ، العائدة من موعد خائب . قلت في نفسي بكثير من الثقة ، وأنا أتابعها بنظراتي ، حتى أبتلعها الباب : كبرياء زائفة ..! سأعود بالدكتوراه يوماً ، وستتمنين لو توقفت والتفت ، قبل أن تضعي قدمك داخل الباب . منذ ذلك التاريخ قررت أن أكون دكتوراً .. وكان ( فعلاً ) حرّضت عليه امرأة . في البدء .. كانت المرأة ..!
    قلّبت الرأي كثيراً ، في التخصص الذي يجب أن أدرسه في الجامعة ، وأكمل فيه دراستي العليا . حينما وصلت الصف الثالث ثانوي ، أصبحت الرؤية واضحة .. ميولي نحو الدراسات الإنسانية والأدبية ، وليس العلمية . ثم اتخذت قراري النهائي : سأتخصص في الإعلام ، خاصة وأن مهاراتي الاتصالية في الكتابة والحديث كانت متميزة .. قياساً إلى زملائي ، إضـافة إلى أن الثقافة التي راكمتها من خلال قراءاتي المبكرة ، ميزتني عن كثير من أقراني ، وأوصلتني إلى الاقتناع ، أن الإعلام هو أنسب مجال مهني لي .

    س2 : التفوق الدراسي الذي ميز دراستك ، لماذا لم يذهب بك إلى كلية الشريعة ، كما هو متعارف عليه في السعودية ؟ هل هناك قناعات خاصة أبعدتك عن دراسة الشريعة ؟

    في الفترة التي ينتمي إليها جيلي ، لم يكن الشباب المتفوق يتوجه إلى كليات الشريعة ، بل كانوا يقصدون الكليات العلمية ، مثل الطب والهندسة . بالنسبة لي ، لم أجد ميلاً إلى كلية الشريعة . اطلاعي المبكر على أدبيات التيار الإسلامي ، إضافة إلى الثقافة الأدبـية والفكرية ، التي فتحت ذهني على شمولية الإسلام ، دفعتني إلى التخصص في الإعلام . حين التزمت إسلامياً ، لم أتوجه إلى الكتب التراثية .. كما هي عادة الشباب في مثل سني ، بل إلى النتاج الفكري للحركة الإسلامية . كان أول ما قرأت كتابين لأبي الحسن الندوي رحـمه الله : ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ” ، و ” الصراع بين الفكرة الإسـلامية والفكرة الغربية ” . الندوي قادني لمفكر آخر كبير ، هو أبو الأعلى المودودي ، ثم وجدت نفسي بعده ، أدخل فضاء سيد قطب المذهل .
    سـبب آخر ربما .. هو أن اهتماماتي الفكرية دفعتني إلى متابعة الصحافة ، لزيادة رصيدي المعرفي ، ووعيي بمجريات الأحداث من حولي . كل هذا عزز لدي الإيمان ، بالدور المهم للإعلام في حياة الناس ، وكان محفزاً للتخصص في الإعلام , وليس الشريعة .

    س3 : تجربة الابتعاث إلى الخارج ، هل كانت ايجابية بالنسبة لك ؟ وما مدى تأثير تلك التجربة في إسهاماتك ، سواء في العمل العام ، أو الإبداعي ؟

    كان لتجربة الابتعاث أثر عميق في نفسي . خرجت من مجتمع محافظ جداً ، ومنغلق إلى حد كبير ، بفعل عوامل سياسية وثقافية ، إلى مجتمعات مفتوحة ومتحررة جداً جداً . أعتبر نفسي محظوظاً ، أن يسّر الله لي التفوق في دراستي الجامعية ، ومن ثم ابتعاثي للولايات المتحدة ، للحصول على الماجستير والدكتوراة . بالرغم من أنني أنتمي لأسرة تعود جذورها للمنطقة الوسطى في المملكة العربية السعودية ، إلا أن ولادتي ونشأتي المبكرة في مدينة ( طريف ) ، في أقصى شمال المملكة ، كان لها تأثير على التكوين المبكر لشخصيتي ، وبالتالي تفاعلي مع الآخرين . أمر آخر أثر فيّ ، وجعل تجربة الابتعاث أكثر ثراء ، هو شخصية الوالد رحمه الله . لقد كان أبي ( كوسموبوليتياً ) من طراز نادر ، يتـعـايش مع الجميع ، بروح متسامحة ، قل أن توجد في شخص ولد ونشأ في بيئة محافظة ، تتـوجس من ( الآخر ) ، وتتعامل معه من خلال نظرة فوقية . تجربة العيش في شمال المملكة .. بوصفها منطقة متعددة الثقافات ، والتنقل بين الكويت والعراق والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا ، وفرت للوالد هامشاً ثقافياً واسعاً لقبول الآخر واحترامه ، مع الاعتزاز بالذات ، والمكونات الثقافية للشخصية النجدية .
    حينما وصلت أمريكا ، لم أواجه صعوبة في الاندماج في المجتمع الطلابي العربي والمسلم ، المختلف المشارب ، والمتباين الثقافات . بل إن تفاعلي كان سريعاً ، مع الثقافة الأمريكية ، وثقافات شعوب ، نشترك معهم ، في هموم النضال والتحرر والتخلف والتبعية ، مثل دول أمريكا اللاتينية . أتذكر بكثير من الم��عة والحنين صداقات أقمتها مع زملاء من الأرجنتين وتشيلي وهندوراس . لقد استفدت من بعضهم روح الكفاح والنضال ، وتعلمت معنى احترام الإنسان للمثل العليا لقضيته ، وفصلها عن ممارسات الأفراد ، الذين ينحرفون بها عن أهدافها ، لأسباب سياسية أو أسباب شخصية .

    س4 : هل ترى أنه من المهم ، بالنسبة للروائي ، أو المبدع بشكل عام ، أن يغترب ليحس بالمعاناة ، وينتج أدباً قيماً ؟

    الاغتراب حالة ذهنية . قد يشعر الإنسان بالغربة وهو في وطنه ، بين أهله وأفراد مجتمعه . إذا نظرنا إلى ( الاغتراب ) ، على أنه ( توحش ) الإنسان ، مما يجري حوله ، مما لا يتسق مع موازينه ، ولا يجري على نسق العالم الذي يصنعه في مخيلته .. ليعيش فيه ، فإن هذا من نوع الاغتراب الذي يصنع المعاناة .
    الظلم بكافة أشكاله ، شيء موحش ، يقود إلى اغتراب ، وينتج معاناة . كم يخطف ضمائرنا ، ظلم يأخذ شكل امرأة غاب معيلها ، فهي تستجدي حقها ، وتذود عن نفسها ، أو شرفها المهدد .. بدموعها ، وتوسلات صوتها الكسير . أليس مغترباً .. مظلوماً ، ذلك السجين الذي تمر الأعوام ، تطفئ النور في عينيه ، وتخطف البريق من عيون أطفاله .. وهم ينتظرونه . بالتأكيد .. ليس ثمة أدبٌ حقيقي ، لا يخرج من رحم معاناة .. تصنعها غربة ، أدى إليها ظلم وتوحش .. فالفقر ظلم ، وغياب العدالة ظلم .

    س5 : من أين اكتسبت هذه اللغة الفخمة التي تكتب بها ؟

    اللـغة التي يكتب بها الكـاتب ، هـي حـصيلة المفـردات التي يراكمها من قـراءاته . ( الكتابة ) الجيدة ، هي بالضرورة نتيجة لـ ( قراءة ) جيدة . حين يكتب الكاتب ، يستدعي مخزونه اللغوي .. وينتقي الكلمات الأحسن تعبيراً عمّا يريد . صياغة الجملة هي ما يتفرد به كاتب عن آخر . بالنسبة لي ، قرأت لــ ( كُتّاب ) جيّدين .. من وجهة نظري ، خصوصاً الشعراء منهم .. الذين أضافوا إلى لغتي شيئاً كثيراً . الشاعر المبدع يملك قدرة غير عادية على صناعة صورة مدهشة بالكلمات ، تمسك بخيال القارئ . الكاتب الذي لا يحسن قول الشعر مثلي ، يسعى إلى استيعاب اللغة الشاعرية الأجمل لدى الآخرين ، لجعل كلماته المنثورة ، أقرب إلى الشعر المبدع ، بفخامته وصوره وأخيلته .

    س6 : الملاحظ أن الإسلاميين يقل عندهم الجانب الإبداعي ، فلا تجد فيهم روائياً متمكناً ، أو شاعراً فريداً ، وإن وجد ، يكون حالة فردية ، بخلاف التيارات الفكرية الأخرى .. هل لديك تفسيراً لهذا ؟

    الإبداع نتاج التفاعل مع الثقافات الأخرى . التفاعل لا يعني الذوبان في ( الآخر ) ، بل الاستفادة من ( الجيد ) الذي لديه .. باستيعابه ، ثم إعادة إنتاجه ضمن الخصوصية الثقافية . في بداية النهضة العلمية للحضارة الإسلامية ، في العصر العباسي ، ترجم المسلمون جزءاً كبيراً من التراث الإغريقي والروماني والهندي والفارسي . استوعبوا حسنه ، ولفظوا رديئة ، في أجمل عملية تفاعل في تاريخ البشرية ، أنتجت أكثر حضاراتها إنسانية .
    بعض الإسلاميين المعاصرين ، خصوصاً المهتمين بالأدب ، أقاموا بينهم وبين المنتج الثقافي للآخر ، المختلف عقدياً .. سداً صلداً . يبدو أن هناك توجساً ، أدى إلى خلط بين محاكاة الآخر ، والاستفادة منه . بعض هذا مردّه ، إمّا إلى الخوف من ذلك الآخر ، أو الشعور بالفوقية تجاهه ، وهو ما يعني أن لا شيء لديه يستحق الاطلاع (!!) : الإسلام شامل ، ومنهج حياة مكتمل . شمولية الإسلام ليست محل نقاش ، لكن الانغلاق على الذات ، يؤدي إلى الضعف ، ويعيد إنتاج المكرور . الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” أيّما شيء يدخل في نطاق ” مكارم الأخلاق ” ، أيّا كان مصدره ، للكاتب المسلم حق فيه ، ومطالب أن يستوعبه .. ليبدع .

    س7 : هل تعتقد أن التركيز على العلوم الشرعية ، أبعد الناشئة من شباب الإسلاميين عن تذوق الأدب ؟

    لا .. لا أعتقد أن التركيز على العلوم الشرعية ، يبعد الإنسان عن الأدب ، ولا أمـيل إلى وضع عـلاقة ( ضدية ) بين الشريعة والأدب . المسألة في تقديري أولويات يضعها الفرد لنفسه ، إضافة إلى أن الأدب ، جزء منه موهبة . صحيح أن هناك تقليلاً من قيمة الأدب لدى بعض الشرعيين ، لكن واقع الحال ، الذي نراه في اتجاه قطاعات كثيرة من المجتمع ، نحو الرواية والشعر ، يؤكد الدور الخطير للأدب ، في إحداث تحوّلات اجتماعية جذرية . إذا ابتعد الشـرعيون عن الأدب وأدواته ، وقللوا من شأنه في عيون تلاميذهم ، فإن تلك التحولات ، ستسير ، لكن في منحى غير الذي يأملون . التحولات الاجتماعية واقعة ، وتحدث كل يوم .. الذي يحدد اتجاهها ، هو الذي يسهم فيها أكثر .

    س8 : تقاعدك المبكر عن العمل الجامعي .. هل كان ايجابياً بالنسبة لتجربتك الأدبية أم خصماً لها ؟ وما ملابسات هذا القرار ؟ وكيف كان أثره عليك ؟

    ابتعادي عن العمل الجامعي ، لم يكن برغبتي . خضت تجربة عمل سياسي اعتقلت بسببها ، وسجنت عدداً من السنوات . بعد خروجي من السجن ، صدر قرار من جهات معنيّة ، بفصلي من عملي الأكاديمي . ربما كان للحدث أثر في تجربتي الأدبية ، من جهة أني كتبت بعض نصوصي القصصية داخل السجن .. فشجعني ذلك على الاستمرار ، وتكرار التجربة . فيما يخص تجربة الاعتقال والسجن ، التي أبعدتني عن الجامعة ، فقد أحدثت أثر عميقاً في وجداني ، لا يمكن حصر أثارها في عدد من الجمل . ثمة تداعيات كثيرة وكبيرة ، أفرزتها التجربة .. علي شخصياً ، وعلى أسرتي . منها ما هو نفسي ، وبعضها اجتماعي واقتصادي .. وآخر ثقافي . لكني أستطيع أن أقول لك بكل تأكيد ، أنني خرجت من ذلك الابتلاء .. أقوى بإيماني ومكتسباتي �� وثقتي بنفسي .

    س9 : كيف تنظر لمجمل الحراك الذي تعيش فيه السعودية في الوقت الراهن ، خاصة في مجالات الثقافة والسياسة والمجتمع نفسه ؟

    في المملكة العربية السعودية حراك على مختلف الصعد . في السياسة ، هناك اتجاه نحو مزيد من الشفافية ، وتفعيل دور المشاركة الشعبية . ثقافياً .. تبدو الأمور أكثر حدة ، وإيقاعها أسرع . الحراك الثقافي في المملكة ، من وجهة نظري ، غير صحي . الذي يحدث الآن صراع ، أكثر منه تفاعل . أحداث سبتمبر أفرزت تياراً يسمّي نفسه ( ليبرالي ) ، اعتمد مبدأ الخصومة مع واقع المجتمع السعودي المتدّين والمحافظ جداً . نخبوية الليبرالي ، جعلته غير قادر على إحداث تحوّل اجتماعي ، بطبيعة جماهيرية .. فلجأ إلى الإعلام ، الذي يسيطر على وسائله ، مما جعله ( ظاهرة صوتية ) ، بلا رؤية ، ولابرنامج .. وتفتقد لعمق شعبي .
    يأخذ الحراك الثقافي الآن في المملكة ، بين الليبراليين والإسلاميين ، شكل ( المناوشات ) وليس ( الحوار ) ، ويعتمد ( الإقصاء ) وليس ( التعايش ) .. هدفاً لحسم الصراع . الليبراليون يلوذون بالسلطة ، ويستعدونها على مظاهر التدين ، ويلوّحون بالبعد ( الديني ) للإرهاب .. مستغلين الــ ( فوبيا ) ، التي انتابت الدولة ، من موجة العنف والإرهاب ، التي اجتاحت البلاد ، ورفع منفذوها شعاراً ( إسلامياً ) . الإسلاميون في المقابل ، في حملتهم ضد الليبراليين ، يذكّرون السلطة بالأساس الديني ، الذي قامت عليه الدولة ، وتقوم عليه شرعيتها ، ويحذرونها من الاستجابة لضغوط الليبراليين ، الذين يصفونهم بـ ( الطابور الخامس ) ، الذي يَسْتَقْوي بالخارج .. الأجنبي .

    س10 : ما مدى مساهمة ابداعات الإسلاميين في السعودية في هذا الحراك ؟

    مساهمة الإسلاميين ، في الحراك الاجتماعي والثقافي في المملكة ، تأخذ شكل الممانعة والمدافعة الشفاهية والخطابية . أما إذا كان المقصود بمساهمة ( إبداعات الإسلاميين ) في ذلك الحراك .. الأعمال الإبداعية ، من شعر وقصة ورواية ، فهذا محدود جداً .

    س11 : هل تعتقد أنك جزء من هذا الحراك ومشارك فيه ؟

    أظن أني أحد الإسلاميين ، الذين يسهمون في الحراك الاجتماعي والثقافي في المملكة ، من خلال ما أكتب ، أو عبر مشاركاتي في فضاء الإعلام بشكل عام .

    س12 : حـركة الثقافة في السعودية ، هل تراها متسقة مع حركة التدين العام في السعودية ، أم متضادة معها ؟ أي هل استطاع الإسلاميون أن يؤثروا في مسار هذه الحركة بالقدر الكافي ؟

    الوصول إلى الكمال أمرٌ مستحيل . لكن للمملكة العربية السعودية وضع خاص ، في التعاطي مع الشأن الثقافي . هناك معطى ديني رسالي ، ومعطى تاريخي ، وآخر جغرافي ، يصوغ قدر المملكة . من هنا فأنا بالتأكيد ، لست مع ثقافة تناصب الدين العداء . لا أستطيع أن أقول .. على إطلاق ، أن الثقافة في المملكة ، مع التدّين أو ضد التدّين ..! المعادلة ليست بهذه الحدية . القراءة التاريخية لواقع الثقافة في المملكة العربية السعودية ، تساعد في فهم المشهد الثقافي .
    ابتداءً .. سيطرت لعقود ، على الحياة الثقافية في المملكة ، ثقافة دينية محافظة جداً ، وبلون واحد . بقدر ما كرّس هذا الوضع ، سطوة باتجاه أحادي .. وحد الحالة الثقافية للبلاد ، فقد خلق كذلك ، حالاً من الوهن والسكون في مجمل الحياة الثقافية . هيمن إحساس مطلق ، بالنقاء المعرفي والفكري ، فخلق شعوراً بالكمال ، وصار التنوع والاختلاف .. في غير القطعيات ، شكلاً من أشكال البدعة ، ومظهراً من مظاهر الانحراف . ثقافة ( السكون ) التي سادت لفترة طويلة ، أفاقت على طوفان تداعيات أحداث سبتمبر ، لتكتشف أن السدود الثقافية التي أقامتها ، تحت مسميات الخصوصية والنقاء .. قد انـهارت . لا الخصوصية ، بحدودها الصغيرة .. صمدت ، ولا النقاء ، بواقعه الساذج البريء ، كان قادراً على النجاة ، من الطوفان المعرفي المتنوع .. الذي صار يتدفق من مختلف مصادر المعرفة .
    حركة التدين العام في المملكة ، نتيجة لذلك ، وجدت نفسها أمام ثقافة متعددة المصادر ، لم يعد لها علاقة بثقافة ( السكون ) القديمة .. بل أحياناً تحمل نفساً عدائياً لها . الإسلاميون أمام هذا الوضع المستجد ، انقسموا إلى فئات . فئة تمسكت بالقديم السائد ، على أساس أنه هو طوق النجاة . هذه الفئة لم تستوعب حجم المتغيرات ، وظلت على خطابها القديم ، الذي يبشر بالنقاء ، وبقيت تراهن على قواعدها .. التي أخذت تتقلص . فئة أخرى .. استوعبت الصدمة ، وأعادت صياغة خطابها ، وغيرت من أولوياتها . فئة ثالثة ، أحدثت الصدمة لديها خللاً أفقدها توازنها ، وانتهى بها المطاف لتذوب في خطاب ( الآخر ) ومشروعه .

    س13 : هل كنت تتمنى أن يكون هناك اتجاهاً واحداً في السعودية أم ترى أن التنوع والاختلاف يشكلان دافعاً ومحفزاً لتقديم الأفضل ؟

    بالنـسـبة لي شخصياً ، أرى أن التنوع ، ضمن إطار عام واحد ، وعلى أساس من وحدة المرجعية .. أدعى للإبداع ، وأكثر تحفيزاً لأداء أفضل . هيمنة الرؤية الواحدة ، يضعف الاجتهاد ، ويقتل الإبداع . لابد من التفريق هنا ، بين الفوضى والتنوع . المرجعية وأعني بها الإسلام .. هي ما يصنع من التنوع مزيجاً متجانساً ، يسير في اتجاه واحد . أمّا إتباع الهوى ، و ( الأجندات ) الشخصية .. فيفرز فوضى من الأهواء والعناصر المتنافرة .. بدعوى الحرية .

    س14 : إلى أي مدى مثلت تجربة مشاركة الشباب السعودي في الجهاد الأفغاني ، رافداً بالنسبة لمسيرتك الإبداعية ؟

    تـأثرت بالجهاد الأفغاني ، من حيث هو فعل أفراد ، من كافة أنحاء العالم الإسلامي .. مارس��ه بتلقائية ، وتداعوا إليه ، إنطلاقاً من وحدة ا لأمة . لم يكن للجهاد الأفـغاني تأثيراً على أعـمالي الإبداعية ، إلا بالقـدر الذي وظفت فيه بعـض أحـداثه ، في روايـتي ( نقطة تفتيش ) .

    س15 : في عملك الروائي الأخير ( نقطة تفتيش ) ، وهو عمل كتب عنه الكثير ، وأغلب ما كتب عنه ، ركز على تجاهل الحضيف ، بخلاف مجايليه ، من الروائيين ، لتناول الممنوع الاجتماعي في السعودية ، واقترابه من السياسة ، ألم تفوت على نفسك فرصة الشهرة ، التي يوفرها الولوج في قضايا مثيرة مثل الجنس مثلاً ؟

    في ( نقطة تفتيش ) ، أو غيرها من النصوص التي كتبتها .. مثل ” ديمي .. حب أول ” أو ” موضي حلم يموت تحت الأقدام ” ، لم أكتب من أجل الشهرة والمتعة ، أو لذات الكتابة .. أو ما أتفق على تسميته : ” الفن للفن ” ، على اعتبار أن الكتابة الإبداعية فناً من الفنون . أنا أتبع فيما أكتب ، مدرسة : ” الفن للرسالة ” . منذ اجترحت فعل الكتابة ، وهم الرسالة يتلبسني . قد أبدو فيلسوفاً ، أو ( طوباوياً ) ، حين أقول أن الشهرة والمتعة ، التي تمنحها الكتابة في مواضيع محددة ، أو ما سمّيته أنت ( الممنوع الاجتماعي ) .. لا تغريني . لأكون أكثر وضوحاً ، دعني أروي لك الموقف التالي : مرّة كنت في سيارتي ، ومعي أحد دواوين نزار قباني . في لحظات التوقف الطويلة .. وهي إحـدى ( فضائل ) حركة المرور البطيئة في الرياض ، أنهمك بقراءة بعض نصوص قبّاني . كان ثمت لغة ممتعة عند نزار ، يمضي الوقت في تذوقها . عند لحظة معينة ، طويت الديوان ووضعته جانباً ، ومددت يدي بعفوية ، وفتحت الراديو . جاء صوته رخيماً ، هادئاً عميقاً .. كان الشيخ عبد العزيز بن باز ، استـمعت بهدوء .. لكلامه . أشياء كثيرة عرفتها في ذلك الحديث القصير . انتهى البرنامج ، لكن بقي صوت عبد العزيز بن باز ينساب في شراييني .
    تأملت ، كلا الرجلان .. عبد العزيز بن باز ونزار قباني رحلا . كان نزار يملأ الدنيا ، وتتـلقف كلماته الأسماع ، وتخبيء العذارى ، كما يقول ، دواوينه تحت وسائدهن . غاب نزار .. فأختفى من المشهد في غيهب التاريخ ، وغابت بغيابه الشهرة . أصبح فقط ، مادة دراسية لتاريخ الشعر العربي الحديث ، ولم تعد المتعة بشعره هي المتعة . عبد العزيز بن باز رحل هو الآخر .. بجسده ، لكن ظل ما كان يقول ويكتب ، يمنح رؤية وبصيرة ، لمن يقرأه متعمداً ، أو يستمع إليه قاصداً . تقاسمه التاريخ والحاضر والمستقبل . نزار قبّاني يمثل منهجاً ، ويتبع مـدرسـة لست منها ، وعـبد العزيز بن بـــاز ينتمي للمـدرسة التي أؤمن بها : ” الكتابة للرسالة ” . لذلك .. سيظل عبد العزيز بن باز ، يؤثر في أجيال تأتي ، وهو ما لا يستطيعه نزار قباني .
    الممنوع الاجتماعي ، الذي ذكرت أني لم أتناوله .. لا يدخل في مفهوم ( الكتابة الرساليّة ) ، التي كرّست قلمي لها . إضافة إلى أني أعد هذا النوع من الكتابة ، هو من باب التكسب والارتزاق بـ ( خـطـايا ) المجتمع وأخطائه ، والترويج لـ ( ثـقـافة العري ) . هل رأيت أحداً يتحدث بـ ( هفوات ) أهله أمام الملأ .. ليقوّم سلوكهم ..؟ لقد عدّ الله سبحانه هذا الفعل من قبيل ” الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ” . بئست الشهرة ، إن كانت حديثاً عن الجنس ، وترويجاً لعلاقات محرمة .

    س16 : هـل لك موقف معين ، من تناول مثل هذه القضايا ( الجـنس ) ، في العمل الروائي ؟ خاصة أن الرواية العربية ، تراوح بين الجنس ، والدين ، والسياسة ، وأنـت لم تستخدم ( الجنس ) في أعمالك القصصية ، لكنك استخدمت الدين والسياسة ، في منجزك ( نقطة تفتيش ) ؟

    موقفي من الحديث عن الجنس ، في عملي الروائي ، تحكمه القواعد الشرعية ، والضابط الأخلاقي . كما أني رجلٌ لي قيمتي ومنزلتي ، بين أهلي ، وفي مجتمعي ، والخوض في مثل هذه المواضيع ، تحت أي ذريعة ، يسلبني تلك القيمة ، ويسقطني من تلك المنزلة . إعتزازي بذاتي .. كذلك ، يجعلني أترفع عن الحديث في مواضيع ، يعتريها الإثم ، ويرفضها الأخيار في مجتمعي ، وتؤذي أهلي .. ويمجها الذوق العام .
    فيما يتعلق بمقاربة الدين والسياسة في روايتي ” نقطة تفتيش ” ، أنا لم أهتك ( تابو ) .. أو أقترف محرماً .. ولم أقحمهما لأجل الإثارة فقط . لم أوظف الدين والسياسة بقصد ، بل كان ثمة أحداث ، امتزج فيها الديني بالسياسي ، فسعيت .. بوصفي كـاتباً ، يملك رؤية ( أيدولوجية ) معينة .. أن أعيد قراءة الأحداث ، وأقدم تفسيراً لها .. إنطلاقاً من ذلك الموقف ، وعلى ضوء قراءتي للأحداث .

    س17 : الكثيرون قالوا أن أسماء أبطال ( نقطة تفتيش ) ، هي أسماء لشخصيات حقيقية .. هل هذا صحيح ؟ وهل هذا يعني أن الرواية عبارة عن قصة حقيقية أبطالها يعيشون بيننا الآن ؟

    تقوم رواية ” نقطة تفتيش ” على الواقعي والمتخيّل . شخصياتها التي صنعت الأحداث إفتراضية ، وجزء كبير من أحداثها متخيّل ، ومحاكاة لواقع يمكن أن يحدث . لذا .. فإنها عمل روائي محض ، اعتمد آليات العمل الروائي . لـذلك ، لا يمكن اعـتبارها ( سيرة ذاتية ) لأشخاص بأعيانهم ، ولا رصداً ( تاريخياً ) لجملة أحداث محددة .

    س18 : هل ترى أن رواية ( نقطة تفتيش ) كانت بمثابة ( فتوى مثقف ) ، فيما حدث في الرياض الأعوام الماضية ، من عنف وتفجير ؟

    ” نقطة تفتيش ” عمل روائي ، حاول أن يفكك مكونات ظاهرة العنف والإرهاب ، التي ضربت المملكة ، وبلدان عربية وإسـلامية أخرى . لا يمكن الحديث عن سبب ( واحد ) للظاهرة . أحداث العنف والإرهاب ، تشتمل على مكون فكري ، وسياسي ، وآخر ديني ، ورابع أمني ، وهكذا . في ” نقطة تفتيش ” حاولت من منطلق فهمي لآليات التفكير ، لدى الشباب الجهادي ، ومستعيناً بمتابعة جادة لبدايات نشوء الظاهرة ، والمراحل التي مرّت بها ، والسياسات التي تؤججها .. أن أقدم قراءة تفسيرية للحدث . أزعم أنها ، من ( مثقف ) منغمس في الظاهرة ، وقادر على فهمها أكثر من غيره ، بوصفه مواطناً .. تقع الأحداث في وطنه ، ومتديناً .. يمارس العنف باسم الإسلام ، الذي يدين بالولاء له . في ” نقطة تفتيش ” أيضاً ، أردت أن ( أوثق ) لمرحلة .. سيغفلها الجميع ، لأن الأقوى هو من يكتب ( التاريخ ) ، والأمة الآن في رحلة انحدار .

    س19 : لماذا كنت أول مثقف وأديب يقول كلمته بهذا الوضوح في عمليات التفجير ؟ وهل يمكن القول أن المثقف السعودي منعزل عن بيئته وما يدور فيها ؟

    لست في مقام الحكم على ( المثقف السعودي ) .. بشكل عام ، باتهامه بالانعزال عن هموم بيئته . تحكم المثقف السعودي اعتبارات كثيرة ، حين يتعاطى مع شأن وطني خطير ، يختلط فيه الديني بالسياسي . هناك من تتغلب المصلحة ، والأجندة الشخصية عنده ، على الصالح العام ، عند التعامل مع قضايا المجتمع . فريق آخر ، تكون الرؤية لديه غائمة ، فتأتي أحكامه غير دقيقة . مجموعة ثالثة ، يؤثر أفرادها الإنسحاب والانعزال . إمّا لعجز عن المواجهة .. لأسباب شخصية أو فكرية ، أو إيثاراً للسلامة .

    س20 : هل تعتقد أنك أجبت ( في الرواية ) على كل الأسئلة القلقة التي ظهرت بعد حدوث العنف ؟

    لا يمكن أن أدّعي أني في ” نقطة تفتيش ” ، قد أجبت على ( كل ) الأسئلة المتعلقة بالعنف .. ولا أن إجاباتي قطعية ، لا تقبل النقاش .

    س21 : برأيك هل يمكن أن تصنع شهادات الأدباء والمثقفين واقعاً مغايراً في المجتمع ؟

    نعم .. هناك ( مثقفون ) ، ليس فقط يصنعون واقعاً مغايراً ، بل يغيرون مسار التاريخ . يسـتطيع المثقف بموقفه وبأفكاره ، أن يعيد ترتيب الأحـداث ، ويمنع ( اختطاف ) حركة التاريخ وتوجيهها ، إلى غير مسارها الطبيعي . أحـمد بن حـنبـل الفقيه ( المثقف ) ، قاوم سلطة ثلاثة خلفاء . وقف .. وقال كلمته ، وبقي صامداً دونها . لك أن تتخيل كيف كان التاريخ .. فكراً وأحداثاً ، سيمضي لو لم يكن هناك ( مثقفاً ) اسمه أحمد بن حنبل .
    في عصرنا الحديث ، استطاع مثقف مثل سيد قطب ، أن يحدث زلزالاً في بنية الفكر الحركي الإسلامي الحديث . إن أثار أفكار سيد قطب ورؤاه ، لا يمكن لأحد أن يتجاوزها ، حين يدرس التحولات العميقة التي تعرضت لها المجتمعات العربية .. خصوصاً النخب والمجاميع الطلابية .. منذ ستينات القرن الماضي ، فيما يتعلق بمفهوم الدولة ، والعـلاقة بـ ( الآخر ) .. ومسألة الحاكمية . إنها قدرة المثقف ، حين يلتزم بقضيته . وقدرته قبل ذلك ، في أن يصوغ رؤيته من واقع مجتمعه ، فتنبثق من قلب الهم الثقافي والاجتماعي للفرد .
    في الأرجنتين ، رجل مثقف مثل خورخي بورخيس ، الشاعر والكاتب ، قادت رؤاه إلى تحولات اجتماعية عميقة في معظم أمريكا اللاتينية ، وكان لها دور في تشكيل ثقافة نضالية ، ضد الهيمنة الامبريالية الأمريكية ، التي كانت تعد دُول أمريكا الجنوبية ، حديقتها الخلفية .
    أدت هذه الثقافة إلى نشوء تيارات وطنية ، نزعت تلك الدول ، نحو مزيد من الاستقلال عن النفوذ الأمريكي .. وقادت في النهاية إلى استلام حكومات ، مدعومة شعبياً ، زمام السلطة .

    س22 : محـطـات عـديدة كـانت في حياة محمد الحضيف .. فأيهما كانت الأقرب إلى مزاجه .. هل هي الصحافة أم الرواية .. العمل العام .. العمل الأكاديمي ؟

    العمل الأكاديمي ، بعكس العمل العام .. هو الذي أجد فيه نفسي . كان هدفاً خططت له ، وسعيت لتحقيقه من يفاعتي . كانت خطواتي إليه مزيج من عمل دؤوب ومشاعر فياضة . أتذكر تلك اللحظة التي هنأتني فيها لجنة المناقشة ، لرسالتي الدكتوراة : تهانينا .. دكتور محمد . خرجت إلى الشارع ، وكان يوماً ربيعياً ، هو الأول من فبراير . اختفت المشاهد كلها من أمامي .. الناس والجمادات ، ولم أعد أرى إلاّ صندوق الهاتف العمومي الأحمر . ولجت فيه ، واتصلت على زوجتي : خلّــصت ..! وسمعت صرختها على الجانب الآخر . جئت وأنخرطت في التدريس في جامعة الملك سعود . ثلاث سنوات مرّت ، كحلم وسنان . أتوجّد على تلك ( اللحظات ) ، التي لم تكن أكثر من أعوام ثلاثة . كان حلماً جميلاً ، حوصر .. واختنق . أما الكتابة .. فتبقى ملكوتاً ، لا أستـطيع الفكاك منه .. بل هي التي صنعتني . لا أدري .. لو كنت لا أكتب ، كيف سأعيش ؟

    س23 : هل ترى أن هذا التنوع قلص من مساحة اهتمامك بالأدب ؟

    التنوع في محطات حياتي ، أثرى تجربتي . منحني هامشاً واسعاً للحركة والاقتراب من شرائح مختلفة في المجتمع . العمل الأكاديمي في الجامعة ، كان الأقرب لقلبي ، لأني كنت أتعامل وأتفاعل مع ( الناس ) ، من زملاء وطلاب وطالبات . البعد الإنساني في العمل الأكـاديمي ، يقضي على الرتابة التي توجد في العمل العام . كل ( انسان ) تتعامل معه في الجامعة ، له قصة مستقلة ، وحديث مختلف ، ولديه حكاية .. تستحق أن يستمع إليها . أستفدت من ( محطات ) حياتي المختلفة ، في اثراء تجربتي الأدبية ، بشخصيات ، وقصص وأفكار مختلفة .
    الجانب المزعج في تنوع محطات حياة الإنسان ، هو الشعور بعدم الاستقرار . كلما ظننت أن رحالي قد استقرت .. يأتي ( طارق ) يؤذنها برحيل . ليس أقسى على الإنسان من الاحساس بعدمية المكان ، سواء كان مرتبطاً بمهنة ، أو متعلقاً بوطن يريد أن ينتمي إليه ، بكل ما أوتي من حب .. لكنه لا يمنحه الفرصة . في ظروف مثل هذه ، تتقلص مساحة الاهتمام .. ليس بالأدب فقط ..!

    س24 : هل تنوي أن تخصص مساحات أكبر ��ي المستقبل للأعمال الأدبية خاصة وأنك أصدرت خلال العامين الماضيين أكثر من عمل أدبي ؟

    يسكنني هم الحرف والكلمة ، وأتمنى لو خفّت إلتزاماتي الأسرية والإجتماعية ، لأتفرغ للكتابة . في ذهني الآن أكثر من مشروع كتابي ، صارت نفسي تلح علي أن أبدأ بها .. ولعل الله أن يخفف ما بي من هموم ، ويرفع عني ما تراكم عليّ من مسؤوليات ومشاغل .. لأعطيها جزءاً من الوقت .

    س25 : كيف تنظر إلى أفكار الحضيف في بداية التسعينات والآن .. ما الذي تغير وما الذي بقي منها ؟

    الذي لا يتغير .. شخص لم يتعظ من أخطائه ، ولم يستفد من الدروس والتجارب . محمد الحضيف الآن ، غيره في التسعينات . ابتعد .. بمسافات فكرية ومنطقية . كنت في التسعينات مدفوعاً بأحلام كبيرة ، وآمال عراض . بعض الأحلام ، كانت من نوع ( حرق المراحل ) ، وبعض الآمال حلقت وحدها ، بعيداً عن الواقع ، وسيرورة التطور الطبيعي للمجتمعات .
    كنت من جيل ( صحوي ) مسكون بهاجس الإصلاح .. والقيم الكبرى . تدغدغ أحلامه ، العدالة ، والتوزيع العادل للثروة ، ومبدأ تكافؤ الفرص ، ودولة المؤسسات . يحلم بدولة كبرى .. دون الخــلافة (!! ) ، ويتطلع إلى عـلاقة ندية مع أمريكا ، لها روح ( هارون الرشيد ) .
    هذا .. كان محمد الحضيف في التسعينات . بدأ أحلامه (الإصلاحية ) ، بلجنة ( حقوق الإنسان ) .. وانتهت به في زنزانة ، يحفر بأظافره على جدرانها ، أشعار ( المقاومة ) . الآن .. ما الذي تغير ، وما الذي بقي ..؟ أشياء ( كثيرة ) تغيرت : لجنة حقوق الإنسان ، التي دفع محمد الحضيف سنوات من زهرة عمره بسببها ، أسست بأمر ( رسمي ) . أشياء ( كبيرة ) بقيت من محمد الحضيف : القيم الكبرى ، ودروس الماضي .. و ( صحوة ) ملأته .. و ( ما زالت ) أحلاماً ، ووطن ماانفك يطمح ان يراه (كبيرا) .

    * ربيع الثــاني 1428 هـ

    عدد التعليقات:1 | 2,977 قراءة للموضوع | فضاء: مقالات | Print This Post |

    آثار على الدرب..

    1. ما أروع كفاحك .. هنيئاً لك .
      أنت حققت حلم أو جزء منه ..
      غيرك قارب العقد الثالث وهو لا زال يحلم ويمشي بمكانه ..
      الا ليت الزمان يعود يوما .. أو لعلي أتحرك ..!

    اترك أثــراً..