• في البدء .. أنا
  • حديث بيننا..
  • وحدثوا عني ..
  • قلته على ورق ..
  • كلام الصورة

  • عدد التعليقات:3 | 4,248 قراءة للموضوع | فضاء: مقالات | Print This Post |

    السلفية (الخانعة)..!

    الكاتب: - يوم: 5 February, 2011

    فقهاء البلطجية؟

    أحمد راشد بن سعيد

    في الوقت الذي كانت مصر تنتفض عن بكرة أبيها لتغسل عنها ركام الذل، وتصنع لها ولأمتها صبحاً آخر ترفرف فيه بيارق النصر بعد عقود من الذل والانسحاق، ظهر بعض “الفقهاء” ليشجبوا “الخروج على ولي الأمر”، زاعمين أن “خلع” الحاكم لا يكون بهذه الطريقة. فالأمر، كما يرون، منوط “بأهل الحل والعقد” الذين ينبغي أن يتنادوا إلى اجتماع لمناقشة الوضع واتخاذ القرار المناسب. ويذهب أحد هؤلاء (وهو فقيه ومثقف سعودي كبير ويحظى بالاحترام) إلى انتقاد الشيخ يوسف القرضاوي على تأييده الثورة المصرية ضد الاستبداد، بحجة أن الشيخ يحمل الجنسية القطرية، وليس من شأنه التعليق على أحداث بلد غير بلده. ولم يسأل هذا الفقيه نفسه لم يسمح لنفسه (وهو السعودي) بالتدخل في الشأن المصري، بينما القرضاوي أقرب أرومة ونسباً وصهراً إلى أرض الكنانة منه. لكن المسألة ليست أصلاً في “الجغرافيا”، فالمسلم يعرف من ضرورات دينه أن الفواصل الحدودية بين البلدان الإسلامية لا تلغي حق المسلم على المسلم، ولا يمكن للقُطرية والجنسية أن تمنع أي مواطن عربي من الإدلاء برأيه، أو التعبير عن موقفه حول الأحداث في مصر. لننظر أولاً إلى آخر فصول الحدث الكبير في معركة التحرير.
    في مساء الثلاثاء غرة شباط (فبراير) ألقى الرئيس المصري حسني مبارك خطاباً أصر فيه على رفض مطالب الشعب، وأكد أنه باق في منصبه حتى انتهاء ولايته مقدماً هذه العبارات في قالب عاطفي أراد به استثارة عواطف المصريين. كشف الخطاب من أولى كلماته عناد مبارك وازدراءه جماهير شعبه، ولذا كان الرد من الشارع سريعاً وغاضباً. كان واضحاً أن الدكتاتور العجوز لن يذهب، وأنه سيفعل كل شيء وأي شيء للتشبث بكرسيه. في اليوم التالي، بدا منذ ساعات الصباح الأولى أن مبارك يحشد أنصاره ليعاقب الملايين الثائرة، وكأنه يقول: “أنا قاعد على قلوبكم بالعافية”. في البداية انطلق بضعة آلاف منددين بالاحتجاجات، وهاتفين بحياة مبارك، ومطالبين ببقائه رئيساً إلى الأبد. ثم فجأة تدفقت مجموعات من “البلطجية” من رجال الأمن مسلحين بالسكاكين والآلات الحادة وقنابل المولوتوف والمسدسات ليعملوا في الشباب المتظاهرين ضرباً وقتلاً وطعناً، وهاجموا المحال التجارية وحاولوا إحراق المتحف المصري، وعاثوا فساداً في ميدان التحرير.
    جاء هؤلاء البلطجية (والكلمة تعبير عن  عصابات مرتزقة، وربما يقابلها في لهجة بعض السعوديين: الحنشل) على ظهور البغال والجمال والحمير ليعيدوا مصر إلى حروب داحس والغبراء، وليشقوا صفوف الشعب، وليغتالوا شبابأ مسالماً رائعاً كالورود، في مشهد ينضح باللؤم والحقارة والتهافت واللا مبالاة بمصالح الأمة. أراد مبارك زرع الفتنة، وإرهاب المصريين ليختاروا بفزع بينه وبين الطوفان، بينه وبين الحريق. مبارك عجوز بلا قلب ولا ضمير، إنه “رجل ميت يمشي على الأرض”، كما وصفه الأميركي الصهيوني مارتن إندك في لقائه مع فريد زكريا في شبكة سي. إن. إن. (1 شباط/ فبراير 2011). اختار مبارك الحريق حرفياً، تماماً كنيرون الذي استعذب رؤية مدينته روما وهي تتهاوى في أحضان اللهب. في الحقيقة، أحرق حسني مصر كلها عبر ثلاثة عقود، ونشر فيها الفساد والفقر، وحوَّلها، وهي البلد التاريخي العملاق، إلى مجرد أداة في يد القوى الكبرى المعادية للأمة. لقد قزم  هذا الرجل مصر إلى الحد الذي صارت فيه “حارس بوابة” للعدو الإسرائيلي، مشاركاً في حصار أهل غزة، ومعتقلاً لسنوات عدداً من قادة مقاومتها، وسامحاً بالعدوان عليها، ومصراً على شق الصف الفلسطيني لصالح الطرف “المتصهين” و “المتأمرك” داخل هذا الصف. مبارك ذهب في “صهيونيته” إلى رش الفلسطينيين الجائعين المنهكين في الأنفاق بالغازات السامة تنفيذاً لتعليمات الإسرائيلي والتماساً لرضاه. بل إن “تعفن” نظام مبارك وتخشبه وترهله كانت من أسباب إفلاس الإستراتيجية العربية، وتداعي العرب جميعاً، وتقسيم أو احتلال بعض بلدانهم، وخسارتهم كثيراً من التأثير والنفوذ إقليمياً وكونياً.
    ما علاقة هذا الكلام بالرأي الفقهي الذي “يجرم” الاحتجاجات الشعبية، و “يحرم” أن يقوم الناس الذين أنهكهم عنف الحاكم بمقاومته من خلال الرفض العلني لسلوكه، والمطالبة بتنحيته. يستند هذا الرأي إلى حيثيات عدة، أبرزها أن إزاحة “الولاة” بالقوة تهينهم وتستفزهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى سفك الدماء و “الفوضى”. لست هنا بصدد الانخراط في جدل فقهي، ولكني أتساءل بصفتي مواطناً عربياً ومسلماً حراً: كيف لأمة تريد الانعتاق من أسرها، والحفاظ على دينها ودنياها، أن تتعامل مع حاكم مستبد نشر الفساد، وأذل العباد، وسلم الأرض، ووالى المحتلين والمغتصبين؟ لا تجيبنا هذه المدرسة الفقهية “الخانعة” بغير وعظنا بفضيلة الصبر، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، متجاهلة الحديث عن مسؤوليات الحاكم وحقوق الرعية عليه، وما يقابل هذه “الطاعة” من “معروف” في أداء الحاكم وسلوكه. لا تقدم هذه المدرسة شيئاً للناس، لا خيارات ولا بدائل، بل ربما يهمش أبناء هذه المدرسة دور مؤسسات المجتمع المدني بوصفها “خروجاً” عن إرادة الحاكم، أو تشكيلاً لــ “حكومة” في الظل تنازع الأمر أهله. توحي هذه المدرسة أن الحاكم رمز البلاد وكهف العباد، وبلاغ الحاضر والباد، رافضة حتى مناصحته في الهواء الطلق، ومصرة أن البديل عن قواعدها هذه التي تصفها “بالشرعية” هو الفوضى أو “الفتنة”.
    من هذا المنظور الغريب واستناداً إلى هذه الثقافة البائسة يخرج بعض “الفقهاء” اليوم ليخذلوا الأمة كلها عن مقاومة الدكتاتور مبارك، والاحتجاج على حكمه الفاسد وإرثه المليء بالتواطوء مع أعداء مصر والأمة العربية. بعد أن زحف “بلطجية” مبارك إلى ميدان التحرير لخنق روح الانتفاضة الباسلة هناك، وصلتني رسالة محمول من أحد الأصدقاء تقول: “أرأيت ما يجري؟ إنها الحرب الأهلية.. الفتنة..اقتتل المصريون..أي ثمرة ستجنيها مصر من الفوضى والاحتراب؟”. لم تكن الرسالة إلا إفرازاً طبيعياً للثقافة الفقهية الخانعة ذاتها؛ الثقافة التي ترفع الحاكم عملياً إلى منزلة “الذي لا يسأل عما يفعل”، وترى في اي معارضة له “خروجاً”، و “فتنة”، ومروقاً عن سبيل الجماعة. مبارك ورفاقه من “ولاة الأمر” يدركون هذه النظرية الخانعة، فيركبون رؤوسهم ويصمون آذانهم ويرددون مقولة فرعون: “لا أريكم إلا ما أرى”، ثم ينفذون سيناريو الفوضى أو “الفتنة” كما فعل بن علي في تونس على نطاق ضيق، ويفعل الآن مبارك على نطاق واسع. الهدف؟ إجهاض روح التمرد على الفساد، ووأد آمال الأمة. يقول أصحاب المدرسة إياها: ها قد سالت دماء المصريين وأصابهم القرح؟ حسناً، ومن قال إن الحرية تأتي من غير ثمن؟ ومن قال إن الشهداء لا يسقطون إلا في ساحات المعارك مع العدو الواقف على الأبواب؟ وكيف يمكن الحديث عن وجوب مقاومة العدو الخارجي الغاصب، والتغاضي تماماً عن ممارسات العدو الداخلي الناهب والكاذب والمحارب؟ يقولون: الصبر على دموية مبارك وخيانته أفضل من الفتنة. ألا في الفتنة سقطوا.
    الدين ليس جسراً تعبر عليه البلطجية. الإسلام لا يُعبِّد الخلق للمخلوق. التوحيد ليس شركاً، والظلام لا يمكن أن يكون نوراً. المدرسة الفقهية السعودية تشدد على حرمة التبرك بالقبور أو زيارتها بغرض الدعاء أو التوسل، وهو تشديد محمود، ولا مراء في صحته. ولكن ماذا عن عبادة الأحياء لا المقبورين؟ هل نحتاج نحن السعوديين إلى حركة تصحيح “وهابية” جديدة تحذر الناس من تأليه الحكام، وتحيي في قلوبهم روح المقاومة والاستبسال في مواجهة الظلم؟

    http://www.saudiyoun.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1519:%D9%81%D9%82%D9%87%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%B7%D8%AC%D9%8A%D8%A9%D8%9F&catid=83:%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1&Itemid=156

    عدد التعليقات:3 | 4,248 قراءة للموضوع | فضاء: مقالات | Print This Post |

    آثار على الدرب..

    1. مامعنى السلفية (الخانعة)؟
      مامعنى كلمة الخانعة

    2. جزاك الله خير وهذه السلفية انكشفت وبان عوارها ولكن هذه ليس السلفية هذه الجامية في اسمى صورها والمدخلية في أزهى عصورها تسمت زوراً وبهتاناً (السلفية) والكلام عنها يطول الصمت عنهم أجمل ومن اطرف الجزيرة العربية كانت هذه المشاركة

    3. هل نحتاج نحن السعوديين إلى حركة تصحيح “وهابية” جديدة تحذر الناس من تأليه الحكام، وتحيي في قلوبهم روح المقاومة والاستبسال في مواجهة الظلم؟

      سؤالك هذا أعياني قبلك وأنا ابحث بين الكتب عن احد من فقهائنا المعاصرين أو حتى القدماء من له موقف مشرف من ظلم الحكام .. وللأسف لم أجد ّ!!!

      تحياتي
      وألف شكر على هذا المقال الرائع

    اترك أثــراً..