محمد الحضيف…هل تشرق الشمسُ شتاءً…؟!! | موقع الدكتور محمد الحضيف

بقلم : الخطاب 2

الجمعة | 09-ذو القعدة-1426 | 08-12-2005 | 01:00صباحا

الساحة العربية : الساحات، الساحة السياسية:

هل رأى أحد منكم الشمس..؟؟

أظنكم رأيتموها جميعا، وأحسستم بلهيبها الفواح يفور من تنور واقعكم المضني التعب،ولكن ما رأيكم بشمس الشتاء…!! هل تعرفونها..!!في صغري عشت في بلاد لاتعرف في شهر ايلول وما بعده الا البرد والزمهرير،الحب والحنين وليالي الشتاء القاسية،تتساقط سدف الضباب على آكام الشجر فتلبسه ثوبا ابيض،حتى ليظن الناظر اليه انه يرى اجسادا ملائكية هبطت الأرض واستوت على ذاره……..كان الشتاء في تلك المرابع يطول،يمكث احيانا شهرين او ثلاثة لانرى فيها شمس ولا تصطلي أجسادنا فيها بقبس،نتكوم في بيوت حجرية بسيطة ،كانت فقيرة وكنا فقراء،ولكن القلوب كانت غنية بالحب مترعة بالحنين فياضة بالخير والتسامح،طال الشتاء في سنة مرت عليها اعوام من الصقيع والثلج المتساقط وايام راحلة مديدة…وحين طال ..وطال..اشتقنا لتلك الشمس الذهبية الدافئة الحنونة….إنها شمس الشتاء……..ولكنها غابت …وغابت…والصقيع جمّد الأطراف عابثا بما قد تبقى في تلك الأجساد المنهكة من روح او بقايا روح،وحين تبزغ من بين الغمام،وتتبدى جليا في دنيا الآمال،تصيح القلوب نشوى…الشمس…الشمس!!فيخرج الناس اليها يصطلون…وعلى اشعتها الذهبية الحانية يستدفئون…!! ولكنها لاتطول…سويعات فقط تطل بجمالها الآخاذ ،وسحرها الماتع ثم تعود الى خدرها الحاني البعيد فتختفي،وفي اختفائها تختفي الأفراح من تلكم الوجوه السمراء المنهكة………..؟؟ آه…على شمس الشتاء…وعلى ذلك الزمن الطفولي المشع صدقا ونقاءاً وبراءة وخلقا..بربكم هل تعود تلك الأيام..!! يادهر قف فحرام ان تطير بنا**من قبل ان نتملى من امانينا ويازمان الصبا دعنا على مهل**نلتذ بالحب في احلى امانينا اجب دعاء بني البؤسى بارضك ذي***وطر بهم فهم في العيش يشقونا والساحات… مدينة متنوعة الأنواء غريبة الأضواء،تزمجر فيها رياح العنف،تشتد في ناديها الكلمات،وتتصارع الأحرف في أخذ وهات،يعيش المرء عبر حنايا ضلوعها متعبا مرهقا،يهاجم هذا،ويرد على هذا،ويحتقر هذا،ويمتدح هذا،كأنها حلبة صراع لا يعيش فيها الا ذو بأس شديد……… للأسف….مايكتب هنا جله سلبي،يرهق الأعصاب ،يؤذي ولاينفع،جله تحريض وإسفاف،والبقية الباقية يصارعون الأمواج لتبقى الساحات منبرا للفكر….شمسٌ للعطاء……؟؟ لقد غابت شمس الشتاء الجميلة….طال غيابها…وانطفأ في الدجى نورها………. وشمس شتاء الساحات…قبسٌ تجلى او يتجلى وغيظ يفيضُ من نبع ذلكم القلم النقي الطاهر!! محمد الحضيف الحب حين يغني في مرابع وجده،والشوق حين ينبض في قلب هائم،والحزن حين يتفجر من قلب إنسان ، وما أكثر تلك القلوب الحزنى البائسة ، ما أشد عويلها وما آلم نحيبها ..!! غاب محمد الحضيف طويلا……..وأطال غيابه……هل ترك القلم ..؟؟ هل هجر الأدب..؟؟ هل آلمته الصفحات القديمة المشبعة عنفا والم..؟؟ هل سكن في برج عاجي ؟؟ هل سقط في غيابة جبٍ في ليل ظليم..؟؟ أين اختفى ذلك القلم الأديب الحاني،اشط به المزار ام نأت بكيانه الدار..؟؟ ايها الماضي رويدا في خطاك ** فعلام اليوم تمضي مسرعا إيه..مهلا حسبنا طول نواك ** وبحسبي منك ان لا ترجعا..!! شمس أيلول في تلك الديار الدوارس،أراها عبر غمام الذكرى .. ذكرى حاضرة،وحنينٌ متصل دافئ،ذهبية اللون حنونة النظر،راقية الإهاب،جليلة القدر،لاتؤذي طفلا ولا تُحرقُ شجرا،تهبُ على المرابع اشعتها فتنشر الدفئ ، وتشع على قلوب الأطفال…بسمة حانية وثغر ضاحك..!! الا رحمة الله على تلك الأيام…!! اين رحلت شمس الشتاء،واين اختفت،أين رح�� الأديب الكبير واين اختفى..؟؟ سؤال ألقيه على مرابع الوجد وأيام الحنين،على الصبا ونسيمه يهب من الشمال شافيا وجد محب،وحاملا قلب محبوب..!! أنا هنا لا أحلل شخصية غامضة،او اكتب عن قلم مغمور،فمحمد الحضيف أكاديمي معروف،ورجل إصلاح تعرفه – على الاقل – هذه البلد،ويشكره أهلها،وحياة هذا الرجل غريبة المبنى عجيبة المعنى،آلآف من الكلاليب نهشت قلبه الصامد،حياة من الظلم عاشها في سجينا غريبا…!! هل يعود الحضيف محمدا…ليحكي لنا عن تلك الأيام..؟؟ هل يكتب عنها رواية..؟؟ هل يكتبها الحضيف..؟؟ وإن كتبها،فهل يكتبها بوجع ويجعل الجدران تبكي…كما يتحدى ويقول..؟؟ ايام الطفولة…حرب الخليج…الإصلاح…السجن…دم الشهيد…البكاء…الفراق…ماذا جنيت…السياسة في دمه…أمريكا ارض الحلم…الأدب…روح الأديب…وماذا بعد…!! مالذي يريده الحضيف بنا،ومالذي نريده منه……؟؟ لا ادري والله…ولكن المعاني تجول في العقل وتضطرب،احملُ احيانا عتابا لهذا الرجل في غيابه،دائما ادلف الى حضن موقعه ،فلا أرى شيئا جديدا،الا مقالات سياسية لاتغني قلبي الجائع ولا تروي روحي الضمأى..؟؟ أني ابحث في قلم الحضيف عن روحي التي فقدتها…والماضي الذي رحل لقبر ثاوٍ بعيد،أبحث عن الفاقد والمفقود في مجتمعنا المتصارع العنيف؟ ابحثُ عن روح الإنسان المثقف…الحليم…الراقي..؟؟ تلك الشخصية التي افتقدها كثيرا في هذا المجتمع الصحراوي القاسي،تلك الشخصية التي احلم بأن أراها كثيرا،وأحلم بوجودها أينما سرت واينما حللت…! جس الطبيب خافقي وقال لي : هل ها هنا الألم؟ قلت له : نعم. فشق بالمشرط جيب معطفي واخرج القلم.؟ هز الطبيب رأسه ومال وابتسم وقال لي : ليس سوى قلم.! فقلت : لاياسيدي..هذا يد وفم. رصاصة…ودم. وتهمة سافرة تمشي بلا قدم..!! لم أعرف – للأسف – الأديب محمدا الا ببداية ابحاره على موج الساحات الماخر،واول كلمٍ اقراه له في موقعه البسيط الهادئ هذا النص النثري الأدبي الراقي…ولعل هذه الكليمات تصوير جلي عن القلم الذي آذى صاحبه،القلم الذي عده الطبيب عديم القلب ، مجرد قلم متعجبا بحس دنيوي مادي : ليس سوى قلم…؟؟ ويأتيك الرد في بيان حسي فريد…بيان لايصوغه بهذه القدرة – ولا يؤمن به – الا ملكٌ كريمٌ قد استوى على جبل من جبال الأنسانية والرحمة روعة وجلالا ،والرد عجيب غريب احس بنشوة صاعقة حيرى حين ترديده وإعماله في داخل نفسي الهائمة بالادب المستمتعة بصنوفه ، باستفهام نادر عجيب يكون الرد : لاياسيدي.. هذا يد وفم. ! رصاصة… ودم. وتهمة سافرة تمشي بلا قدم..!! القلم في فلسفة اديبنا ليس مادة يتصارع لئام الناس عليها ويتقاتلون،يبيعون به عرض الحياة الدنيا رخيصا ،القلم في شرعة استاذنا يتعدى المحسوس ويتجاوز المعلوم ويهرب الى فسيح الكون العامر،إحساسا جميلا يمشي بلا اقدام،واقدام صلدة تطير بلا جنحان……. القلم يد…تكتب مخلصة صادقة،فلا تغش ولا تكذب،ولا تقتل ولا تغتصب،يد شريفة غنية لاترفع على خد امرأة،ولا تؤذي ببطشها جسد طفل صغير،اليد التي تساعد وتحنو وتعطف وتعطي…!! واليد العليا خير من اليد السفلى…!! القلم فم…لايكذب ولا يغش لايدلس ، ولا يبيع دينا بدنيا،فم لايخرج من بين ثناياه الا طيب الكلم حق وخير،حب وحنين،فلا إسفاف ولا غيبة،لاكره ولا ضغينة،بل الحب والتسامح والخير والجلال..!! القلم رصاصة…في عرف كاتبنا رصاصة،تطلق على الشر الناهش اجساد البائسين،والعدو الجاثم على بلاد المسلمين،يؤذيهم،ويتعبهم ويرهقهم،وبه نجاهد ويجاهد كل اديب،وله في جده الأكبر حسان خير دليل ومثال،فقد هجا قريشا وروح القدس معه،آذاهم بالكلام …والكلام قلم …والقلم فم… والفم لسان… واللسان فكر …والفكر حق ام باطل،وعاء يحوي المتناقضين فإن غلب احدهم على الآخر كان المتحكم به خيرا ام شرا..!! القلم دم…يثخبُ من اجساد الشهداء الثرية الرطبة،ويُرى لونه الأحمر القاتم خفاقا على ألوية النصر مضمخا بها،فلا نصر الا بعد اراقته،ولا حق الا بعد التضحية واراقته : لايسلم الشرف الرفيع من الأذى**حتى يراق على جوانبه الدم…!! القلم دم ظليم في ليلة ظلماء يبكي وينتحب،والاديب صوت الظليم الصارخ،ولون الدم الأحمر الثاخب،ان لم يكن الأديب صوتا لمظلوم او انة لبائس فما هو كائن إذا…؟ وقد حدثنا تاريخ الأدباء عن عباقرة كانوا اصواتا لبكاء البائسين،وجوى لانات المحرومين : إن لم تكن للحق انت فمن يكون**والناس في لذات محراب الدنايا عاكفون..؟؟ وأخيرا لا آخرا القلم في شرع الأديب…تهمة سافرة تمشي بلا قدم…؟؟ هل عشنا لنرى الحقيقة المرة…؟؟ هل أصبح القلم ((إثما وجريرة)) وتهمة يرمى بها الصادق الشريف ، ويزج بعدها في زنزانة باردة متوحشة كتوحش بني آدم،بلا إثم جناه او جريرة ساقتها قدماه او وكتها يداه……..؟؟ للأسف……….نعم……….ولذا فالقلم في شرعته تهمة سافرة تمشي بلا قدم………..؟؟ *********** مالذي يقول الحضيف ويحكيه……..!! ادب تعدى خيال الواقع العنيف،تربع في قلب هو قلبي،وروح عطشى هي روحي،وجسد فريد وحيد هو جسد الماضي الجميل بعنفوانه وآماله،وروح الراحل بطيبته وجماله،ووجع القلب الماكث بوخز آلامه..!! أكرر…انا هنا لا أحلل شخصية،بل ادع نفسي تسيح في عالم ((محمد الحضيف)) وابراجه التي نصبها عروشا للمساكين،وظلالا للبائسين، فجلسوا عليها كالملوك على الأسرة بعد ان طردتهم الدنيا باسرها الى عالم من الخواء …ودنياُ من النحيب بؤساء مساكين يعيشون على هامش الحياة بلا أمل ويغنون بلا صوت ، فالضعيف فيها حَمَلٌ مسكين،والقوي فيها ذئب سكِّير…!! لم أقرأ لأديب إنسان بعد المنفلوطي طيبة وتواضعا ورحمة وعبرة ،الا عبرات الحضيف ……..؟؟ وهنا وهناك فاصل زمني …ثقافي…فكري…بين الأديبين ، تكاد السموات فيه تتباعد عن الأرض،مقدار تباعد النجم الدري الغابر في فلكه عن السفينة الغارقة في قاع لججه…….. ولكن… تباعد الجسد…الزمن…الثقافة…الفكرة…لم يكن حاجزا عن تقارب الأرواح،او انجذاب الأحاسيس وتكوم المشاعر،فالمنفلوطي الأديب الأنسان والكاتب الأسلامي النقي الطيب الرحيم الودود،عشتُ معه الحزن في ((غرفة المحزونين)) وبكت عيناي وانا ارى حبل الحب وهو ينبت مابين يدي ((ستيفن)) …وعويل ((ماجدولين)) ووقفت احتراما للفضيلة التي نبت وترعرعت في قلب عاشقين ((بول)) و((فرجيني))….؟؟ وسحرت بتلك القدرات الفنية العجيبة في “سيرانو دي برجراك”……..؟؟ اما الحضيف…فمع تباين الزمن اللامحدود الشاسع بينه وبين صاحبه ، الا انه هناك يلمع في سماء الواقع قربا،حبل رفيع لايراه الا من كان إنسانا او يحمل قلب إنسان،يجمع بين ذينك القلبان وتلكم الروحان،الحضيف أديب متفرد وكاتب إسلامي لامع وسياسي شهير ويملك على هذا شهادة أكاديمية عليا،وروح انسان تشابه روح المنفلوطي وإنسانيته وإبداعه..!! رأيت روح المنفلوطي جلية في ((وداعا هيا)) ..((ديمي حب أول))..((أحمد الذي أطفا قلبه))..((موضي حلم يموت تحت الأقدام؟؟)).. ودعت باكيا مع الحضيف…هيا …التي : ((…تخرج من البيت بعيد الفجر ، قبل أن تمزق الشمس أستار الظلام ، لتقلها سيارة ، هي وبعض زميلاتها ، إلى حيث تدرس ، حيث تم تعيينها معلمة في مدرسة تقع في قرية تبعد عن مقر إقامتها 300كيلو متر . لم يشفع لها حطام ذلك الآدمى .. أبوها ، ولا أمها البائسة التي تنوء بهم أبيها المقعد ، وبقلق الخوف عليها منذ تخرج حتى تعود ، وقلق العـذاب على مستقبلها ، الذي يعني بؤسا وضياعا لهم جميعا لو تركتهم … وهي لن تفعل ….)). وأجهشتُ بالبكاء معه ..في ذلك اليوم الذي لم تخرج فيه هيا لمدرستها…ولم تخرج من بعده للحياة كلها فاليوم انا : ((… أجهشت بالبكاء ، حيث لم تخرج هيا كعادتها . وهي أيضا لم تعد القهوة لوالديها ، ولم توضئ أباها المقعد ، قبل ذلك ، أو تدفئ الماء لأمها ، التي تسلخت يداها ، من رضح نوى التمر لبيعه علفا للأغنام . وهي كذلك ، لن تصنع فطورا لأولئك الأطفال ، الذين سيخرجون إلى المدارس شعورهم مبعثرة .. وربما بلا فطور . اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، بكيت كثيرا ……………….. لأنها تصر على أن تبقي مع أهلها . لا … لقد غادرت أهلها إلى الأبد …………. اليوم أنا مزقني البكاء على هيا ، التي رحلت وأخذت قلبي معها … قلبي الذي تعلق بروحها دون جسدها ، هيا ماتت بحادث سيارة ، قتلتها السيارة التي تحملها إلى عملها البعيد عن حطام البشر ، الذين كانت تقوم قبل الفجر من أجلهم .. وأمتنعت عن الزواج من أجلهم . ماتت وهي في طريقها إلى عملها البعيد ، الذي تمزقت بينه وبين نماذج من البؤس ، قضت المشيئة أن تكون حبلهم الوحيد المتصل بالحياة . هيا ماتت في حادث سيارة ولم يسمع بها أحد ، رغم أنه دوى في قلوب أناس أيقظ نحيبهم صـم الصخر . اليوم أنا أجهشت بالبكاء … بكيت طويلا ، وقفت ولم تخرج هيا كعادتها . اليوم كذلك ، لم يخرج الأطفال إلى المدارس ، ليس لأنه ليس هناك (هيا) ترتب شعورهـم وتعد لهم الإفطار . اليوم لم يخرج الأطفال إلى المدارس لأنه ليس لديهم دفاتر ، ولا أقلام ، ولا (مراييل) جديدة .. ولا فطور … لأن هيا لم تعد هناك تنفق عليهم . ماتت هيا فارتاح مدير التعليم ، ورئيس التحرير لن يكتب عنها ، وأنا انتقلت إلى بيت آخر، بعيدا عن بيت أهلها .. بعيد عـن المكـان الذي كانت تقف فيه ، بانتظار السيارة التي تقلها .. إذن أنا لن أفكر فيمن ماتت من أجلهم .. إذن أنا مرتاح الضمير … شكرا مدير التعليم .. شكرا رئيس التحرير .. وداعا هيا .. وداعا هيا.)). انتهى. هذا النص مجتزأ،انقله وعبرة تنازعني تريد ان تخرج من حجرها الكامن حزينة مرتابة،احاول لملمت شتات دمع تناثر ويتناثر حين اقف مع هذا الأديب الانسان الشامخ…….؟؟ ومن سيبكي هيا ان لم تبكها يا اديب…؟؟ ومن سيكتب عن هيا…ان لم تكتبها وردة اجتثت من واقع التوحش والظلم – بريئة – مالها من قرار…؟؟ اليوم انا اجهشتُ بالبكاء لاحزنا على هيا فحسب…بل على كثير من البائسين المحرومين والبائسات المحرومات،نسيانا وظلما في واقع مادي عنيف يتفنن في قتل اولاده ونشر صور اجسادهم وهي متعفنة شوهاء….!! اليوم يا اديب…انا اجهشت بالبكاء،لأن مثيلات ((هيا)) كثر،ولم يكتب عنهن أحد………؟؟ ************* قلت لأديبنا الكبير ذات يوم : تأخرت عن وعد الهوى ياأديبنا ** وما كنت عن وعد الهوى تتأخر سهرنا…وفكرنا…وشاخت دموعنا ** وشابت ليالينا وما كنت تحضر.؟؟ لقد ماتت هيا….ومات بعدها صويحبات لها ، صامتات في وقار ، متلفعات بالسواد ، تقتلهن الطرقات التي لاترحم ، لكي لايعيش من كان تحت عبائتهن محروما جائعا ، ظللن صامتات…واجمات…على قارعة طريق في ليل ظلام بارد…متحجبات لايُرى منهن شيئا ، ينتظرن المجهول بلا وعي او إحساس…….؟؟ ومحمد الحضيف……ليس هناك ليكتب عنهن ، فقد ترك البيت القديم ، ونزح الى دار جديدة ، لعل موقعها لايذكره بهيا ، ومشاكل حيه الجديد وأهله ، لاتقف عن مشاكل اولئك البائسات بانتظار ((باص للموت)) او ظل رجل…للموت ايضا………!! من يكن للبائسين مرجع…وللبائسات قرار……..؟؟ والبؤساء في دنيانا كثير…….. قبل سنين طويلة ، فقد رجل – ممن أعرف – قلبه في ليل مرض لم يطل علاجه ، وطال حزنه وامتد شقاه اتصل لم ينقطع لحظة ولم ينفصل حقيقة ، العيش في الالم مؤذي مريح…يسلي ولا يشفي…يستعذب الفاقد روح مفقوده ، يحن اليه ماحنّت النيبُ في نجد ، ويشتاق اليه اشتياق الأم لوليدها النائم في مهد…….؟؟ رحل كل شي……….ولم يبق للفاقد شي……..؟؟ قرأت في أدب الحضيف ما جعل قلوبا كثيرة تسلو قليلا ، سحرتني كلماته الهادرة في روعة ، وتفننه الساحر في التقاط المعاني وابرازها في لغة عربية بسيطة صادقة نقية ، نراها كل يوم ونسمعها ، ولم اقف على أعجوبة كما وقفت على القصة التي اسماها ((احمد الذي اطفأ قلبه؟؟))…….. لقد بلغ بي الإعجاب والأفتتنان بهذه الأقصوصة ، أن نسختها وطبعتها ، ووزعتها على من أعرف ، بل وكتبتها بخط يدي ، ومن حين لآخر أعود لها واعيش خبايا فصولها ، وابحث عن أحمد الوافي ، أسائل عنها أنهار الذكرى الجارية ، وليالي الشتاء الحانية ، وروعة الحب في معانيه الباقية…؟؟ ابحث عن “أحمد الوافي” وأتمنى لو أعرف أحي فيرجى…أم ميت فينعى ، واتلفت لذلك القلب الناسي في مستقبله ،الداجي في دياجير خطا وقعه ، مالذي حل به ، مالذي حل “بأمل ” التي اطفأ أحمد قلبه من اجلها؟ واين “الوافي أحمد” تلفت عنه باحثا ، وعلي روحه الطاهرة صائحا ، بحثت عنه فلم أجده ، سآلت عنه فلم أعثر عليه ، اين يعيش هذا الوافي لأرحل اليه أغسل قدمه بالماء وأكون له خادما ، وأستمطره شيئا من جلال الحب ونقاء صوره…………….!! بحثت عنه…فلم أجده ، وجدت كل منافق ، وكل ظالم ، ولكن ” الوافي أحمد” ظل في مستشفاه ، لاميت فينعى ولا حي فيرجى……..؟؟ أحمد الوافي رجل عاشق يعيش في عش صغير مع زوجة في صفاء ونقاء،كل شي في الحياة يسير بحب وجمال،ولكن زينة الحياة لاتُعطى لحياتهم،وصمت البيت من صراخ طفل يكاد يمزق بصريخه أحشائهم،وفي لحظة هي العمر كله،ضحى العاشق بقلبه فأطفأه ليعيش المعشوق بذلك النور المتصل من قلبه،طلق زوجته لتتزوج …!! لقد كان الرجل عقيما،ضحى بقلبه ليعيش قلب من يحب…؟؟ ((…لن أكون أنانياً يا أمل، أنا أحبك بنفس القدر، لذلك أريد أن أرى لك أطفالا. سنوات يا أمل ثم ندخل خريف العمر. من لك بعد الله لو تركتك وحيدة في ذلك الصقيع، وحال بيني وبينك التراب ؟! لا أستطيع أن أتخيل الزمان يجور عليك وحدك تجترين الذكريات، ثم تقولين: أكان يجب أن أربط مصيري بهذه النهاية؟ أريدك حينما تتذكرينني، في أي مكان أو زمان كنت، تتذكرين رجلا أحب امرأة هي أنت، وأن أتذكر امرأة أحبت رجلا هو أنا، وافترقا على الحب، وضحى كلاهما من أجل الآخر، كأحسن ما تكون التضحية. ضحيّت أنا بقلبي من أجل سعادتك، وخوف شقائك، وضحيّت أنت بقبول عرض قاسٍ مثل هذا، والاستسلام لمستقبل مجهول !! )) وفي لحظات الوداع الأخيرة…كان هذا الحوار الغريب والصورة الحسية العجيبة يراها كل قارئ،في تصوير ابداعي اجاد فيه كاتبه ايما اجادة،ابرز فيها صورا حسية،وعواطف جامحة مترددة،وعويل متصل ..النص الأبداعي غاية في التمكن كأنك ترى فلما سينمائيا تحس بنبضات قلوب ممثليه،تسمع تردد انفاسهم وغريب تحركاتهم…يقول : ((…قالت بصوت باكٍ : – وغير هذا الكلام …؟ نظر إليها نظرة كسيرة ولم يردّ. فعاودت سؤاله مرة أخرى: – وأنت..؟ – سأجد ما أنشغل به . – تبقى وحيداً…؟ – ربما أجد امرأة مثلي لا تنجب، أو أرملة تحتاجني ظلا تأوي إليه، هي وصغارها، وأحتاجها شريكة عمر لما بقى من العمر. )). . . . يسدل الستار ، ليفتح من جديد : ((…حينما وصلا، قال لها وهم في الطريق إلى بيت أهلها : – ليس أصعب علي من أن أقول لك وداعا، والذي يمزق قلبي أني سأودعك بكلمة ليست بغيضة إلى قلبي فقط، بل إلى الله سبحانه. – ألا تنتظر يوما أو يومين..؟ – الانتظار يزيد عذابي. عند الباب سلمها مفتاح منزلهما وقال : – هذا مفتاح البيت، أنا لن أعود إليه، كل ما فيه لك.. وداعاً.. سأظل أذكرك، وأتابع أمرك من بعيد.. سلامي للأهل.. نحن الآن… وخنقتـه العبرة ولم يكمل ، شد على يدها، ثم استدار منصرفا، فَعَلا نشيجُها، وهي ترمقه، يتجه نحو السيارة . ما هي إلا لحظات حتى كانت هي ، والشارع ، والفضاء ، والوحشة .)). تصوروا المنظر العجيب……؟؟ إبداع في غاية الروعة والتفرد ، تفكروا مليا حين رحل ، وبقيتْ هي والشارع والفضاء…والوحشة..!! بعد ذلك…تتواصل الحياة….ويتواصل النص الأبداعي إمطارا في كليمات لاتطول،واستطراد لايملل،وهنا يكمن الأبداع،بلا إملال او إطالة…!! تزوجت أمل : ((…انقضى عام على زواجها، وخيال أحمد تلاشى، أو يكاد من بالها، وها هو ثمرة زواجها، جنين يتحرك في أحشائها، تنتظر قدومه بلهفة، في غضون اشهر معدودة . هل علاقاتها الطيبة بزوجها.. أم هذا الطفل الذي تترقب وصوله، هو الذي أنساها أحمد ؟ تصرمت الأشهر ورزقت بطفلها الأول. )). ويعاود الكاتب…ابراز صور حسية غاية في الدقة،صور دقيقة جدا،انت لاتقرا فيها شيئا لاتفهمه،بل ترى فلما امامك وتحس بعواطف في داخلك،وترى الاقصوصة كثيرا في بيئتك،فبطل القصة ليس – كما تعودنا – استيفن او روبن او كاترين،بل أحمد وهيا وموضي …ابطال القصص ليسوا قادمين من ديار بعيدة لانعرف عنها شيئا،ابطال القصص هم نحن…أحمد…موضي…أمل…والمدينة ليست باريس…والقصة لم تدور رحاها على ضفاف الدون او ف�� جبال الألب او في وسط باريس،بل في وسط الصحراء…الرياض…المدينة…جدة…!! وعند هذه النقطة امر غريب وعجيب…مابقي بذاكرتي من ما يسمى الروايات السعودية شي مخزي وسخيف،ولا اود ان اذكر اسماء لمن كتب تلك الرواية الطافحة جنسا ومجونا وتفاهه،وقد تغيرت نظرتي كثيرا بعد قراءاتي للدكتور الحضيف………؟؟ نعود لأمل….ولأحمد الذي أطفأ قلبه………ويعود بنا المخرج الكبير لالتقاط صورة أخرى يصورها حسيا وخياليا في قالب ابداعي ادبي محلي منظور و مشاهد…. أمل في المستشفى…للتو جائها الولد والحلم الذي أطفأ من اجله أحمد الوافي قلبه….!! يقول : لذة الاطفال لا يعدلها شيء. إنه ولد جميل.. نسميه “أحمد” ! قال زوجها . كأنما استيقظت من حلم ، فردت بسرعة : – أحمد ؟! .. لا .. لا غير أحمد. رد زوجها متسائلا : – ما به أحمد ؟. إنه اسم جميل. امتقع لونها، وتذكرته، بل تذكرت ليلتهما الأخيرة في المسجد النبوي.. عبارته تدوي في رأسها : “لن أكون أنانيا، من حقك أن يكون لديك أطفال”. اعتصر قلبها الألم وداهمتها خاطرة : “ماذا لو علم زوجها بهذا الموقف الذي وقفه زوجها الأول أحمد… كيف سيفسر قبولها باسم “أحمد”..؟ لا شك انه سيعتقد، أو أن بعض السيئين سيصور له، أنه تعلق منها بأحمد، زوجهـا الأول . لا .. لا احتراماً لذكرى الأول، ولكرامة الثاني ، أي اسم إلا أحمد. – هل يمكن أن نسميه محمد.. أحب هذا الاسم ؟ سألته بعينين يملؤهما الاستعطاف . ابتسم .. – على بركة الله. سحبت آهة من أعماقها وقالت، وهي تنزل رأسها بهدوء على الوسادة : – الحمد لله ..!! )). ثم يمضي المشهد من جديد ، بعد هذه الراحة الطويلة السعيدة ، مرت الأعوام وصار كل شي في ذمة التاريخ ، الحب ، الذكرى ، وأحمد الوافي الذي أطفأ قلبه…ليعيش قلبها ، وضحى بسعادته لتتصل سعادتها ..!! ومرت الأيام ، الصغير يكبر ، والماضي يزداد في اللاشعور ولوغاً في ضياع ..!! والليلة زفاف ، تحضر فيها “امل” بكامل زينتها وبأرقى ملابسها ، قد نسيت كل ماقد مضى ، واقبلت على الحياة بروح جديدة ، وبإشراق جديد ، ودعونا هنا نسدل الستار العجيب اللامنتهي ، عبر هذه الأقصوصة الساحرة النابضة بكل معنى شريف نفتقده في زمن الساقطات “بنات الرياض… رجاء الصانع”..!! ((…الليلة لديهم مناسبة سعيدة. شقيقة زوجها ستتزوج، وهي مشغولة بالاستعداد للمناسبة وتجهيز الأطفال. دق جرس الهاتف، رفعت السماعة: – من .. هدى..؟ وعليكم السلام.. فعلا أنا مشغولة كما تعلمين. لن تستطيعي الحضور.. خير إن شاء الله..؟ لماذا لا تخبريني الآن عن السبب..؟ كما تشائين ، لكن حاولي.. أرجوك. لم يكن هناك جديد في الحفلة، نفس النساء..(نفس الاهتمامات)، لدى الأغلبية. مضى أكثر من نصف الوقت، ولم تأت صديقتها هدى . بصفتها قريبة للعروس، فهي مطالبة بالتعبير عن الفرح. – تعالي ارقصي يا أمل. قريبات زوجها يطالبنها. تعدهن بابتسامة، وإيماءة من رأسها أنها ستفعل، لكن ليس الآن. وسط جموع النساء التي تملأ الصالة لاحظتها.. إنها صديقتها هدى، تتلفت، كأنما تبحث عنها، أشارت إليها، فأقبلت نحوها : – السلام عليكم ، معذرة عن التأخير لكن .. قاطعتها أمل : – الحمد لله على السلامة .. ما الأمر..؟ – شقيقي عبدالرحمن في المستشفى، ولم أستطع أن آتي إلى هنا قبل أن أطمئن عليه .. – سلامته … مم يشكو ؟ – لقد وصل البارحة من ( سراييفو ) ، حيث كان ضمن وفد إغاثي في البوسنة ، وسقطت عليهم قذيفة صربية، وهم في دار لرعاية المرضى المسنين . – وكيف حاله الآن..؟ – وضعه طيب ولله الحمد، لكن زميله، الذي أصيب معه، هو الذي حالته خطرة. يقول شقيقي إن القذيفة مزقت كلية زميله ، وحيث أنه بكلية واحدة ، فإن حالته خطرة جداً . تساءلت أمل باستغراب : – لماذا هو بكلية واحدة..؟ – لقد تبرع بكليته الأخرى لأحد أطفال زوجته ، الذي تعرض لفشل كلوي قبل عدة أشهر. – لم أفهم…؟ – الشاب لا ينجب، وقد تزوج قبل أكثر من عام من امرأة أم أيتام، بعد طلاقه لزوجته الأولى . شعرت أمل بألم يضغط على صدرها، وسألت هدى بوجل : – ما اسم هذا الشاب ؟ – على ما أذكر..أحمد.. ردت بحدة : – أحمد..! أحمد من يا هدى..؟ أمام استغراب هدى، قالت: – أظنه ” أحمد الوافي “. قالت أمل بألم ، وهي تضغط على الكلمات : – أحمد الوافي..؟ – نعم.. هل تعرفينه..؟ تلعثمت وردت بسرعة : – لا.. لا، ثم همست في سرّها : “إلى أين يمضي هذا الرجل في تضحياته..؟” . فـي هذه اللحظة كانت إحدى قريبات زوجها تسحبها من يدها، لتشاركهم في التعبير عن الفرح، شقت طريقها بين النساء، ووصلت حيث مطلوب منها أن ترقـص ، تعبيراً عن فرحتها. بدأت الزغاريد والاصوات ترتفع ، وتطلب من ضاربات الدفوف : – ( طقوا لأمل.. طقوا لأمل ) .. بدأت تتمايل ، مرة وثنتين وثلاث.. ثم سقطت وارتفع الصُّراخ .)) انتهى.. سقطت أمل وارتفع الصراخ ، وأحمد الوافي بين الحياة والموت جريحا في المستشفى ، ويسدل الستار على هذه النهاية اللامنتهية ، اللامعقولة ، فلا أمل فاقت بعد غيبتها ، ولا أحمد ناج بعد مرضه ، لاحي فيرجي ولا ميت فينعى ، ونحن مابين “الأمل…والوفاء” ننتشل ارواحنا التي اضعناها ، وقلوبنا التي صارت رماد……!! ولازالت أنات ” الوفاء…تئن في صدري ، ونسيم الأمل يهب من مرابع الوجد” …!! لا أدري…أحاملٌ هو نسيم أمل ، ام عذاب…..؟؟ ولكني بقيت منتظرا باحثا….!! عدتُ طفلا أسافر عبر ضباب الامس الى قريتي الدارسة … فلا أرى في الصحب ” وفاء …ولا ألمح في الواقع أملا “…… وشمس الشتاء لم تشرق بعد……..!! فهل تشرق الشمس شتاء…؟!!

اترك أثرًا

Time limit is exhausted. Please reload the CAPTCHA.