سنوات المتعة والعذاب..! بقلم: بدوي أورق الرمل له | موقع الدكتور محمد الحضيف

الثلاثاء 12-ذو الحجة-1424 | 31-8-2002 07:30 مساء

الإهداء : إلى محمد الحضيف و بقية الرفاق الشجعان ..

فاتحة / ساءلت نفسي أتراه مازال يذكر .. فبغتني ردها الصاعق .. و أنت .. أنسيته ؟! أنساك ..! معاذ الهوى .. أتنسى النوارس شطآنها .. و تنسى العصافير أعشاشها ..؟! ذات ليلة من ليالي صيف نجد الحارقة كان الطائر الفضي يُقاد عنوة مع سربه إلى قفص ظن سجانه أنه المكان الأنسب لمنع السرب من التحليق .. ليلتها كنت – على سريري – ملتحفا بغطاء أسود!! أكتب إليك – أبا المنذر- ( شبحا ) بعد عين .. يداي ترتعشان .. كلما أمرت إصبعا عصى .. منذ تلك الليلة و أنا أبحث عن الموت في كل ليلة فلا أجده .. .. قبيل الفجر.. في نفس الساعة التي اقتادوا فيها السرب .. أسمع صوتا طالعا من قاع العار .. شبيها بصوت الريح المتسربة عبر ثقوب القلب .. ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ..!) أشعر بالصداع .. أعاود البحث عن موت .. نوم .. لا فائدة !! آه .. يالها من ليلة حبلى بوهم الفجر و سراب النور .. ماذا أفعل بذلك الوقت الطويل الذي يتدفق من الزمن الضيق ؟! وحدي .. مع غصص حرار .. و وطأة صمت .. و غربة حلم .. و أشباح السنين ( الثلاث ) ماثلة أمامي تتشظى مزقا تشعل حرائق الحسرة داخلي .. أهرب .. أبحث عن يد تومئ لي من كوة الإشفاق .. فلا أسمع سوى حشرجة الميت .. و إجهاشة النعاة .. و أنين الأماني .. أعود أطلب الموت .. ما أسوأ أن تبحث عن الموت و الحياة في آن معا .. آن للنعش الذي أودعته حسرات الأمس أن يدفن .. و يعود ذلك الصوت ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ) يكاد رأسي ينفجر .. أحاول أن أنسى تلك الليلة الصيفية .. أنسى فصل الصيف كله .. أتذكّر الربيع .. ليس عندنا ربيع في نجد .. صيف و شتاء فقط .. ترى هل القلوب انعكاس للفصول .. ؟ قلوب النجديين صيفية أو شتوية .. لا ربيع فيها ..! كم أحلم بليلة ربيعية .. نادرة هي في نجد .. بضع ساعات من بعض ليال الصيف تكون ربيعية .. ليلة ربيعية .. ؟! أتذكر يا أبا المنذر..؟ أتذكر تلك الليلة القمراء و الشهر في أوله ؟! كنت تقول لي : ( الساكت عن الحق شيطان أخرس .. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) كان نور الإيمان و شعاع الثقة بالله يتدفقان من تضاريس روحك .. كم هي غنية روحك بالثروات .. قلت لك هذا غباء .. إلقاء بالنفس إلى التهلكة .. أغضيتَ و لذتَ بالصمت .. الصمت هو كلمة السر فيما بيننا .. احترمتَ جبني و ضعفي .. و لم أحترم شجاعتك .. و افترقنا دون وداع .. ياااه .. كم يصيبني الدوار كلما تذكرت ذلك المشهد .. أشعر أني أتدحرج على سلم الزمن سنوات إلى الوراء .. لقد صنعت لنفسي – منذ تيك الليلة – نمطا من الحياة له مذاق الموت .. لقد كانت آخر عهدي بك .. أليس غريبا أن تكون الشجاعة آخر عهدي بك .. و أن يكون الجبن و الذل آخر عهدك بي ..؟! أليس غريبا أن تقضي و رفاقك الشجعان سنوات العذاب في متعة و حبور خلف قضبان ( الحاير) .. و أقضي أنا سنوات المتعة في عذاب و مذلة خلف قضبان ( الحياة ) !! كم هي محظوظة تلك الزنزانة بكم .. أتراها كانت تشعر بالسعة .. بالرحابة .. بالنور .. في حين اختنقت الحياة بنا و ضاقت بما رحبت .. ياليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما .. حدثني – يا أبا المنذر – عن تلك السنوات الأربع .. حدثني عن الكبرياء .. عن البطولة .. عن السرب الذي أتى من حرم التاريخ .. معتصبا بالنجم .. متشحا بالإباء .. متدثرا بالنور .. محلقا على شفة الخلود .. متجاوزا هام الخطوب .. حتى اقشعرت من وهجه الجبال .. و نامت تحت لوائه الأقدار .. حدثني عن ليالي ( الحاير) .. عن أحلامه العذاب .. عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. حدّث .. و زد .. فإنما تقتل حيا و تحيي ميتا .. حدثني عنهم واحدا .. واحدا .. ولتبدأ بأخيك .. من ..؟! أخوك ..؟! ما أعذب أن يكون للمرء أخ كأخيك .. رحمه الله .. كان وحده أساطير بطولة .. و روايات إباء .. كان نقيا نقاء رمل الشاطئ ما تنفك الأمواج تغسله موجة موجة .. لم يرض أن تد��س كرامته و تلطخ بالوحل.. فأبى إلا أن يغسلها بـ( ماء النار ) .. كلما تذكرت صورته (المشرقة) ارتسمت في مخيلتي صورتان ( قاتمتان) .. الأولى لنا و نحن كالجمادات تهان كرامتنا و لا ننبس ببنت شفة .. و الأخرى أكثر قتاما .. لنفر خانوا الله و أشبعوا شبق الطغاة .. أولئك الذين قضوا بإزهاق الروح التي علمتنا درس الكرامة .. أوكلما أوقد الله فينا نور كرامة أطفأناها ؟! ترى أكان جبنا ما فعلوا أم جشعا ؟! .. و يرتد الصدى .. هما معا .. هما معا .. خاتمة : نعم .. أيها الشجعان .. ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ) .. الآن فقط آمنت أن مثلي يجب ألا يكون من الأحياء و لا من الأموات .. هكذا هم الجبناء دائما ..!!

(تعليق) الدكتور محمد الحضيف 07-9-2002  17:56 13.

منذ دخلت السجن وأنا أعيد قراءة نفسي .. وأطرح عليها السؤال الكبير : ماذا قدمت .. ؟ أربع سنوات فى السجن ، وأربع بعدها .. وألم التساؤل .. له رائحة الدم ، وطعم الفجيعة ، وألوان الخيبة .. ووجه ( رغد ) .. التي رأت الدنيا ولم تر أباها .. يصافحني وجهها كل يوم ، ليذكرني .. بأن ثمة ( فصل ) لم يكتب .. عن مسيرة ( لم تبدأ ) .. لجمهور ( غير موجود ) .. يكبر الأطفال .. ويكبر معهم الأمل .. إلا ( رغد ) .. ! تكبر .. ويكبر الحزن معها .. تكبر .. وتكبر معها ( أبجدية ) تتحدث بصوت عال .. نقي ، عن ( مناضل ).. ضرب السيف بعنقه .. لأن الخيار كان : أن ( ينحني ) ليهوي السيف .. أو ( يرتفع ) ليواجه السيف .. ليصدّه عن هامات غرقت في التراب .. وهي تتمتم : ( اللهم أعز الإسلام والمسلمين ) .. عرج المناضل إلى برجه .. وانداحت روحه في مجرة هائلة .. وتشظت بين النجوم .. تفضح ( الزوايا ) المعتمة .. وبقيت الأبجدية ( تعوي ) في قيعان ( الفراغ ) .. حيث ثمة ( لا صدى ) .. من ارض تلبدت بالهامات الغارقة ..! حين يباغتك ( نص ) مثل هذا .. يصعد بك إلى مدارج علوية ، يعيدك إلى ( بدايات ) .. لترى النهاية ( !! ) .. يفعل كل هذا .. بكبير من الألم .. بكثير من الوفاء .. وأنت .. ! أنت واقف على ناصية التاريخ .. ابيضت ناصيتك .. فتراءت (لهم ) كـ ( راية ) استسلام ..! وللقلب وجيب كرقصة الحرب .. وفي العينين سواد .. غاض منهما الضوء .. فبدتا ..عميقة .. موحشة ، شأن الخنادق .. في خطوط الدفاع الاخيرة .. وكان كلما نضا ( المحارب ) درعه .. ليتحيز إلى فئة ، او يتحرف لـ ( قتال ) .. رشقته السهام : قد تخلى .. قد ( نكص ) ..! وكان قد غادره ( الرماة ) عاري الظهر .. ولما غفى الجرح .. زمجروا : يا لثارات ( الجهاد ) ..! البداية .. صارت امامه .. وأمام ( الأمام ) .. النهايات .. الأبجدية كبرت .. و ( رغد ) .. كبرت .. وهامات.. لم تزل غارقة .. وصوت طالع من ( قاع العار ) .. يصرخ ببهاء .. يناديك .. بينهما ( برزخ ) .. لا يبغيان .. بدوي أورق الرمل له .. وأنت .. تقتات من وجع ( ليلة قمراء ) .. تجتر التاريخ .. وتحتسي ( ماء النار ) .. على بقية ضوء .. ( نور من كرامة ) .. واقفاً على شاطئ من الم .. ( ما تنفك الأمواج تغسله موجة موجة ) .. منتظراً سرباً .. كنت معه يوماً ، ليـأتي من ( حرم التاريخ ) .. وحدك .. تلوك أحلامك ( العذاب ) .. وحدك .. تحرق بآهاتك الصحائف و ( العروض ) .. وتعجن الرماد بدموع المرارة .. و ( طعنات ) الرفاق .. وحدك .. ( تصبغ ) ناصيتك برماد ( الوثيقة ).. وترفض مشروعهم لـ ( السلام ) ..! وحدك .. تشق في قلبك كوة .. لتهدي للطوابير الجامدة رقصة الحرب.. وتجعل من جرحك الغائر ( خندقا ) للصمود .. بدوي أورق الرمل له .. أمد يدا .. أصافحك .. ولو ( شبحاًً ) بعد عين .. ! فوطأة الصمت .. وغربة الحلم .. وأشباح السنين .. تشعل حرائق الحسرة .. وليس ثمة مهرب .. وليس ثمة كوة .. ليس ثمة كوة ..!

آثار على الدرب
مسلم
وفقكما الله لما يحب ويرضى من القول والعمل
اترك أثرًا

Time limit is exhausted. Please reload the CAPTCHA.