• في البدء .. أنا
  • حديث بيننا..
  • وحدثوا عني ..
  • قلته على ورق ..
  • كلام الصورة
  • وحدثوا عني ..

    محمد الحضيف…هل تشرق الشمسُ شتاءً…؟!!
    بقلم : الخطاب 2     الجمعة 09-ذو القعدة-1426هـ 01:00صباحا

    الساحة العربية : الساحات، الساحة السياسية:

     

     محمد الحضيف…هل تشرق الشمسُ شتاءً…!!

    الكاتب:  ( الخطاب 2 ) 08-12-2005 ** 17:28

    هل رأى أحد منكم الشمس..؟؟
    أظنكم رأيتموها جميعا،وأحسستم بلهيبها الفواح يفور من تنور واقعكم المضني التعب،ولكن ما رأيكم بشمس الشتاء…!!
    هل تعرفونها..!!في صغري عشت في بلاد لاتعرف في شهر ايلول وما بعده الا البرد والزمهرير،الحب والحنين وليالي الشتاء القاسية،تتساقط سدف الضباب على آكام الشجر فتلبسه ثوبا ابيض،حتى ليظن الناظر اليه انه يرى اجسادا ملائكية هبطت الأرض واستوت على ذاره……..كان الشتاء في تلك المرابع يطول،يمكث احيانا شهرين او ثلاثة لانرى فيها شمس ولا تصطلي أجسادنا فيها بقبس،نتكوم في بيوت حجرية بسيطة ،كانت فقيرة وكنا فقراء،ولكن القلوب كانت غنية بالحب مترعة بالحنين فياضة بالخير والتسامح،طال الشتاء في سنة مرت عليها اعوام من الصقيع والثلج المتساقط وايام راحلة مديدة…وحين طال ..وطال..اشتقنا لتلك الشمس الذهبية الدافئة الحنونة….إنها شمس الشتاء……..ولكنها غابت …وغابت…والصقيع جمّد الأطراف عابثا بما قد تبقى في تلك الأجساد المنهكة من روح او بقايا روح،وحين تبزغ من بين الغمام،وتتبدى جليا في دنيا الآمال،تصيح القلوب نشوى…الشمس…الشمس!!فيخرج الناس اليها يصطلون…وعلى اشعتها الذهبية الحانية يستدفئون…!!

    ولكنها لاتطول…سويعات فقط تطل بجمالها الآخاذ ،وسحرها الماتع ثم تعود الى خدرها الحاني البعيد فتختفي،وفي اختفائها تختفي الأفراح من تلكم الوجوه السمراء المنهكة………..؟؟

    آه…على شمس الشتاء…وعلى ذلك الزمن الطفولي المشع صدقا ونقاءاً وبراءة وخلقا..بربكم هل تعود تلك الأيام..!!

    يادهر قف فحرام ان تطير بنا**من قبل ان نتملى من امانينا

    ويازمان الصبا دعنا على مهل**نلتذ بالحب في احلى امانينا

    اجب دعاء بني البؤسى بارضك ذي***وطر بهم فهم في العيش يشقونا

    والساحات… مدينة متنوعة الأنواء غريبة الأضواء،تزمجر فيها رياح العنف،تشتد في ناديها الكلمات،وتتصارع الأحرف في أخذ وهات،يعيش المرء عبر حنايا ضلوعها متعبا مرهقا،يهاجم هذا،ويرد على هذا،ويحتقر هذا،ويمتدح هذا،كأنها حلبة صراع لا يعيش فيها الا ذو بأس شديد………

    للأسف….مايكتب هنا جله سلبي،يرهق الأعصاب ،يؤذي ولاينفع،جله تحريض وإسفاف،والبقية الباقية يصارعون الأمواج لتبقى الساحات منبرا للفكر….شمسٌ للعطاء……؟؟

    لقد غابت شمس الشتاء الجميلة….طال غيابها…وانطفأ في الدجى نورها……….

    وشمس شتاء الساحات…قبسٌ تجلى او يتجلى وغيظ يفيضُ من نبع ذلكم القلم النقي الطاهر!!

    محمد الحضيف الحب حين يغني في مرابع وجده،والشوق حين ينبض في قلب هائم،والحزن حين يتفجر من قلب إنسان ، وما أكثر تلك القلوب الحزنى البائسة ، ما أشد عويلها وما آلم نحيبها ..!!

    غاب محمد الحضيف طويلا……..وأطال غيابه……هل ترك القلم ..؟؟

    هل هجر الأدب..؟؟

    هل آلمته الصفحات القديمة المشبعة عنفا والم..؟؟

    هل سكن في برج عاجي ؟؟

    هل سقط في غيابة جبٍ في ليل ظليم..؟؟

    أين اختفى ذلك القلم الأديب الحاني،اشط به المزار ام نأت بكيانه الدار..؟؟

    ايها الماضي رويدا في خطاك ** فعلام اليوم تمضي مسرعا

    إيه..مهلا حسبنا طول نواك ** وبحسبي منك ان لا ترجعا..!!

    شمس أيلول في تلك الديار الدوارس،أراها عبر غمام الذكرى .. ذكرى حاضرة،وحنينٌ متصل دافئ،ذهبية اللون حنونة النظر،راقية الإهاب،جليلة القدر،لاتؤذي طفلا ولا تُحرقُ شجرا،تهبُ على المرابع اشعتها فتنشر الدفئ ، وتشع على قلوب الأطفال…بسمة حانية وثغر ضاحك..!!

    الا رحمة الله على تلك الأيام…!!

    اين رحلت شمس الشتاء،واين اختفت،أين رحل الأديب الكبير واين اختفى..؟؟

    سؤال ألقيه على مرابع الوجد وأيام الحنين،على الصبا ونسيمه يهب من الشمال شافيا وجد محب،وحاملا قلب محبوب..!!

    أنا هنا لا أحلل شخصية غامضة،او اكتب عن قلم مغمور،فمحمد الحضيف أكاديمي معروف،ورجل إصلاح تعرفه – على الاقل – هذه البلد،ويشكره أهلها،وحياة هذا الرجل غريبة المبنى عجيبة المعنى،آلآف من الكلاليب نهشت قلبه الصامد،حياة من الظلم عاشها في سجينا غريبا…!!

    هل يعود الحضيف محمدا…ليحكي لنا عن تلك الأيام..؟؟

    هل يكتب عنها رواية..؟؟

    هل يكتبها الحضيف..؟؟

    وإن كتبها،فهل يكتبها بوجع ويجعل الجدران تبكي…كما يتحدى ويقول..؟؟

    ايام الطفولة…حرب الخليج…الإصلاح…السجن…دم الشهيد…البكاء…الفراق…ماذا جنيت…السياسة في دمه…أمريكا ارض الحلم…الأدب…روح الأديب…وماذا بعد…!!

    مالذي يريده الحضيف بنا،ومالذي نريده منه……؟؟

    لا ادري والله…ولكن المعاني تجول في العقل وتضطرب،احملُ احيانا عتابا لهذا الرجل في غيابه،دائما ادلف الى حضن موقعه ،فلا أرى شيئا جديدا،الا مقالات سياسية لاتغني قلبي الجائع ولا تروي روحي الضمأى..؟؟

    أني ابحث في قلم الحضيف عن روحي التي فقدتها…والماضي الذي رحل لقبر ثاوٍ بعيد،أبحث عن الفاقد والمفقود في مجتمعنا المتصارع العنيف؟

    ابحثُ عن روح الإنسان المثقف…الحليم…الراقي..؟؟

    تلك الشخصية التي افتقدها كثيرا في هذا المجتمع الصحراوي القاسي،تلك الشخصية التي احلم بأن أراها كثيرا،وأحلم بوجودها أينما سرت واينما حللت…!

    جس الطبيب خافقي وقال لي :

    هل ها هنا الألم؟

    قلت له : نعم.

    فشق بالمشرط جيب معطفي واخرج القلم.؟

    هز الطبيب رأسه ومال وابتسم وقال لي :

    ليس سوى قلم.!

    فقلت : لاياسيدي..هذا يد وفم.

    رصاصة…ودم.

    وتهمة سافرة تمشي بلا قدم..!!

    لم أعرف – للأسف – الأديب محمدا الا ببداية ابحاره على موج الساحات الماخر،واول كلمٍ اقراه له في موقعه البسيط الهادئ هذا النص النثري الأدبي الراقي…ولعل هذه الكليمات تصوير جلي عن القلم الذي آذى صاحبه،القلم الذي عده الطبيب عديم القلب ، مجرد قلم متعجبا بحس دنيوي مادي : ليس سوى قلم…؟؟

    ويأتيك الرد في بيان حسي فريد…بيان لايصوغه بهذه القدرة – ولا يؤمن به – الا ملكٌ كريمٌ قد استوى على جبل من جبال الأنسانية والرحمة روعة وجلالا ،والرد عجيب غريب احس بنشوة صاعقة حيرى حين ترديده وإعماله في داخل نفسي الهائمة بالادب المستمتعة بصنوفه ، باستفهام نادر عجيب يكون الرد :

    لاياسيدي..هذا يد ��فم. !

    رصاصة…ودم.

    وتهمة سافرة تمشي بلا قدم..!!

    القلم في فلسفة اديبنا ليس مادة يتصارع لئام الناس عليها ويتقاتلون،يبيعون به عرض الحياة الدنيا رخيصا ،القلم في شرعة استاذنا يتعدى المحسوس ويتجاوز المعلوم ويهرب الى فسيح الكون العامر،إحساسا جميلا يمشي بلا اقدام،واقدام صلدة تطير بلا جنحان…….

    القلم يد…تكتب مخلصة صادقة،فلا تغش ولا تكذب،ولا تقتل ولا تغتصب،يد شريفة غنية لاترفع على خد امرأة،ولا تؤذي ببطشها جسد طفل صغير،اليد التي تساعد وتحنو وتعطف وتعطي…!!

    واليد العليا خير من اليد السفلى…!!

    القلم فم…لايكذب ولا يغش لايدلس ، ولا يبيع دينا بدنيا،فم لايخرج من بين ثناياه الا طيب الكلم حق وخير،حب وحنين،فلا إسفاف ولا غيبة،لاكره ولا ضغينة،بل الحب والتسامح والخير والجلال..!!

    القلم رصاصة…في عرف كاتبنا رصاصة،تطلق على الشر الناهش اجساد البائسين،والعدو الجاثم على بلاد المسلمين،يؤذيهم،ويتعبهم ويرهقهم،وبه نجاهد ويجاهد كل اديب،وله في جده الأكبر حسان خير دليل ومثال،فقد هجا قريشا وروح القدس معه،آذاهم بالكلام …والكلام قلم …والقلم فم… والفم لسان… واللسان فكر …والفكر حق ام باطل،وعاء يحوي المتناقضين فإن غلب احدهم على الآخر كان المتحكم به خيرا ام شرا..!!

    القلم دم…يثخبُ من اجساد الشهداء الثرية الرطبة،ويُرى لونه الأحمر القاتم خفاقا على ألوية النصر مضمخا بها،فلا نصر الا بعد اراقته،ولا حق الا بعد التضحية واراقته :

    لايسلم الشرف الرفيع من الأذى**حتى يراق على جوانبه الدم…!!

    القلم دم ظليم في ليلة ظلماء يبكي وينتحب،والاديب صوت الظليم الصارخ،ولون الدم الأحمر الثاخب،ان لم يكن الأديب صوتا لمظلوم او انة لبائس فما هو كائن إذا…؟

    وقد حدثنا تاريخ الأدباء عن عباقرة كانوا اصواتا لبكاء البائسين،وجوى لانات المحرومين :

    إن لم تكن للحق انت فمن يكون**والناس في لذات محراب الدنايا عاكفون..؟؟

    وأخيرا لا آخرا القلم في شرع الأديب…تهمة سافرة تمشي بلا قدم…؟؟

    هل عشنا لنرى الحقيقة المرة…؟؟

    هل أصبح القلم ((إثما وجريرة)) وتهمة يرمى بها الصادق الشريف ، ويزج بعدها في زنزانة باردة متوحشة كتوحش بني آدم،بلا إثم جناه او جريرة ساقتها قدماه او وكتها يداه……..؟؟

    للأسف……….نعم……….ولذا فالقلم في شرعته تهمة سافرة تمشي بلا قدم………..؟؟

    ***********
    مالذي يقول الحضيف ويحكيه……..!!

    ادب تعدى خيال الواقع العنيف،تربع في قلب هو قلبي،وروح عطشى هي روحي،وجسد فريد وحيد هو جسد الماضي الجميل بعنفوانه وآماله،وروح الراحل بطيبته وجماله،ووجع القلب الماكث بوخز آلامه..!!

    أكرر…انا هنا لا أحلل شخصية،بل ادع نفسي تسيح في عالم ((محمد الحضيف)) وابراجه التي نصبها عروشا للمساكين،وظلالا للبائسين، فجلسوا عليها كالملوك على الأسرة بعد ان طردتهم الدنيا باسرها الى عالم من الخواء …ودنياُ من النحيب بؤساء مساكين يعيشون على هامش الحياة بلا أمل ويغنون بلا صوت ، فالضعيف فيها حَمَلٌ مسكين،والقوي فيها ذئب سكِّير…!!

    لم أقرأ لأديب إنسان بعد المنفلوطي طيبة وتواضعا ورحمة وعبرة ،الا عبرات الحضيف ……..؟؟

    وهنا وهناك فاصل زمني …ثقافي…فكري…بين الأديبين ، تكاد السموات فيه تتباعد عن الأرض،مقدار تباعد النجم الدري الغابر في فلكه عن السفينة الغارقة في قاع لججه……..

    ولكن… تباعد الجسد…الزمن…الثقافة…الفكرة…لم يكن حاجزا عن تقارب الأرواح،او انجذاب الأحاسيس وتكوم المشاعر،فالمنفلوطي الأديب الأنسان والكاتب الأسلامي النقي الطيب الرحيم الودود،عشتُ معه الحزن في ((غرفة المحزونين)) وبكت عيناي وانا ارى حبل الحب وهو ينبت مابين يدي ((ستيفن)) …وعويل ((ماجدولين)) ووقفت احتراما للفضيلة التي نبت وترعرعت في قلب عاشقين ((بول)) و((فرجيني))….؟؟

    وسحرت بتلك القدرات الفنية العجيبة في “سيرانو دي برجراك”……..؟؟

    اما الحضيف…فمع تباين الزمن اللامحدود الشاسع بينه وبين صاحبه ، الا انه هناك يلمع في سماء الواقع قربا،حبل رفيع لايراه الا من كان إنسانا او يحمل قلب إنسان،يجمع بين ذينك القلبان وتلكم الروحان،الحضيف أديب متفرد وكاتب إسلامي لامع وسياسي شهير ويملك على هذا شهادة أكاديمية عليا،وروح انسان تشابه روح المنفلوطي وإنسانيته وإبداعه..!!

    رأيت روح المنفلوطي جلية في ((وداعا هيا)) ..((ديمي حب أول))..((أحمد الذي أطفا قلبه))..((موضي حلم يموت تحت الأقدام؟؟))..

    ودعت باكيا مع الحضيف…هيا …التي :

    ((…تخرج من البيت بعيد الفجر ، قبل أن تمزق الشمس أستار الظلام ، لتقلها سيارة ، هي وبعض زميلاتها ، إلى حيث تدرس ، حيث تم تعيينها معلمة في مدرسة تقع في قرية تبعد عن مقر إقامتها 300كيلو متر . لم يشفع لها حطام ذلك الآدمى .. أبوها ، ولا أمها البائسة التي تنوء بهم أبيها المقعد ، وبقلق الخوف عليها منذ تخرج حتى تعود ، وقلق العـذاب على مستقبلها ، الذي يعني بؤسا وضياعا لهم جميعا لو تركتهم … وهي لن تفعل ….)).

    وأجهشتُ بالبكاء معه ..في ذلك اليوم الذي لم تخرج فيه هيا لمدرستها…ولم تخرج من بعده للحياة كلها فاليوم انا :

    ((… أجهشت بالبكاء ، حيث لم تخرج هيا كعادتها . وهي أيضا لم تعد القهوة لوالديها ، ولم توضئ أباها المقعد ، قبل ذلك ، أو تدفئ الماء لأمها ، التي تسلخت يداها ، من رضح نوى التمر لبيعه علفا للأغنام . وهي كذلك ، لن تصنع فطورا لأولئك الأطفال ، الذين سيخرجون إلى المدارس شعورهم مبعثرة .. وربما بلا فطور .

    اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، بكيت كثيرا ………………..

    لأنها تصر على أن تبقي مع أهلها . لا … لقد غادرت أهلها إلى الأبد ………….

    اليوم أنا مزقني البكاء على هيا ، التي رحلت وأخذت قلبي معها … قلبي الذي تعلق بروحها دون جسدها ، هيا ماتت بحادث سيارة ، قتلتها السيارة التي تحملها إلى عملها البعيد عن حطام البشر ، الذين كانت تقوم قبل الفجر من أجلهم .. وأمتنعت عن الزواج من أجلهم . ماتت وهي في طريقها إلى عملها البعيد ،

    الذي تمزقت بينه وبين نماذج من البؤس ، قضت المشيئة أن تكون حبلهم الوحيد المتصل بالحياة .

    هيا ماتت في حادث سيارة ولم يسمع بها أحد ، رغم أنه دوى في قلوب أناس أيقظ نحيبهم صـم الصخر .

    اليوم أنا أجهشت بالبكاء … بكيت طويلا ، وقفت ولم تخرج هيا كعادتها . اليوم كذلك ، لم يخرج الأطفال إلى المدارس ، ليس لأنه ليس هناك (هيا) ترتب شعورهـم وتعد لهم الإفطار . اليوم لم يخرج الأطفال إلى المدارس لأنه ليس لديهم دفاتر ، ولا أقلام ، ولا (مراييل) جديدة .. ولا فطور … لأن هيا لم تعد هناك تنفق عليهم .

    ماتت هيا فارتاح مدير التعليم ، ورئيس التحرير لن يكتب عنها ، وأنا انتقلت إلى بيت آخر، بعيدا عن بيت أهلها .. بعيد عـن المكـان الذي كانت تقف فيه ، بانتظار السيارة التي تقلها .. إذن أنا لن أفكر فيمن ماتت من أجلهم ..

    إذن أنا مرتاح الضمير …

    شكرا مدير التعليم .. شكرا رئيس التحرير .. وداعا هيا .. وداعا هيا.)). انتهى.

    هذا النص مجتزأ،انقله وعبرة تنازعني تريد ان تخرج من حجرها الكامن حزينة مرتابة،احاول لملمت شتات دمع تناثر ويتناثر حين اقف مع هذا الأديب الانسان الشامخ…….؟؟

    ومن سيبكي هيا ان لم تبكها يا اديب…؟؟

    ومن سيكتب عن هيا…ان لم تكتبها وردة اجتثت من واقع التوحش والظلم – بريئة – مالها من قرار…؟؟

    اليوم انا اجهشتُ بالبكاء لاحزنا على هيا فحسب…بل على كثير من البائسين المحرومين والبائسات المحرومات،نسيانا وظلما في واقع مادي عنيف يتفنن في قتل اولاده ونشر صور اجسادهم وهي متعفنة شوهاء….!!

    اليوم يا اديب…انا اجهشت بالبكاء،لأن مثيلات ((هيا)) كثر،ولم يكتب عنهن أحد………؟؟

    *************
    قلت لأديبنا الكبير ذات يوم :

    تأخرت عن وعد الهوى ياأديبنا ** وما كنت عن وعد الهوى تتأخر

    سهرنا…وفكرنا…وشاخت دموعنا ** وشابت ليالينا وما كنت تحضر.؟؟

    لقد ماتت هيا….ومات بعدها صويحبات لها ، صامتات في وقار ، متلفعات بالسواد ، تقتلهن الطرقات التي لاترحم ، لكي لايعيش من كان تحت عبائتهن محروما جائعا ، ظللن صامتات…واجمات…على قارعة طريق في ليل ظلام بارد…متحجبات لايُرى منهن شيئا ، ينتظرن المجهول بلا وعي او إحساس…….؟؟

    ومحمد الحضيف……ليس هناك ليكتب عنهن ، فقد ترك البيت القديم ، ونزح الى دار جديدة ، لعل موقعها لايذكره بهيا ، ومشاكل حيه الجديد وأهله ، لاتقف عن مشاكل اولئك البائسات بانتظار ((باص للموت)) او ظل رجل…للموت ايضا………!!

    من يكن للبائسين مرجع…وللبائسات قرار……..؟؟

    والبؤساء في دنيانا كثير……..

    قبل سنين طويلة ، فقد رجل – ممن أعرف – قلبه في ليل مرض لم يطل علاجه ، وطال حزنه وامتد شقاه اتصل لم ينقطع لحظة ولم ينفصل حقيقة ، العيش في الالم مؤذي مريح…يسلي ولا يشفي…يستعذب الفاقد روح مفقوده ، يحن اليه ماحنّت النيبُ في نجد ، ويشتاق اليه اشتياق الأم لوليدها النائم في مهد…….؟؟

    رحل كل شي……….ولم يبق للفاقد شي……..؟؟

    قرأت في أدب الحضيف ما جعل قلوبا كثيرة تسلو قليلا ، سحرتني كلماته الهادرة في روعة ، وتفننه الساحر في التقاط المعاني وابرازها في لغة عربية بسيطة صادقة نقية ، نراها كل يوم ونسمعها ، ولم اقف على أعجوبة كما وقفت على القصة التي اسماها ((احمد الذي اطفأ قلبه؟؟))……..

    لقد بلغ بي الإعجاب والأفتتنان بهذه الأقصوصة ، أن نسختها وطبعتها ، ووزعتها على من أعرف ، بل وكتبتها بخط يدي ، ومن حين لآخر أعود لها واعيش خبايا فصولها ، وابحث عن أحمد الوافي ، أسائل عنها أنهار الذكرى الجارية ، وليالي الشتاء الحانية ، وروعة الحب في معانيه الباقية…؟؟

    ابحث عن “أحمد الوافي” وأتمنى لو أعرف أحي فيرجى…أم ميت فينعى ، واتلفت لذلك القلب الناسي في مستقبله ،الداجي في دياجير خطا وقعه ، مالذي حل به ، مالذي حل “بأمل ” التي اطفأ أحمد قلبه من اجلها؟

    واين “الوافي أحمد” تلفت عنه باحثا ، وعلي روحه الطاهرة صائحا ، بحثت عنه فلم أجده ، سآلت عنه فلم أعثر عليه ، اين يعيش هذا الوافي لأرحل اليه أغسل قدمه بالماء وأكون له خادما ، وأستمطره شيئا من جلال الحب ونقاء صوره…………….!!

    بحثت عنه…فلم أجده ، وجدت كل منافق ، وكل ظالم ، ولكن ” الوافي أحمد” ظل في مستشفاه ، لاميت فينعى ولا حي فيرجى……..؟؟

    أحمد الوافي رجل عاشق يعيش في عش صغير مع زوجة في صفاء ونقاء،كل شي في الحياة يسير بحب وجمال،ولكن زينة الحياة لاتُعطى لحياتهم،وصمت البيت من صراخ طفل يكاد يمزق بصريخه أحشائهم،وفي لحظة هي العمر كله،ضحى العاشق بقلبه فأطفأه ليعيش المعشوق بذلك النور المتصل من قلبه،طلق زوجته لتتزوج …!!

    لقد كان الرجل عقيما،ضحى بقلبه ليعيش قلب من يحب…؟؟

    ((…لن أكون أنانياً يا أمل، أنا أحبك بنفس القدر، لذلك أريد أن أرى لك أطفالا. سنوات يا أمل ثم ندخل خريف العمر. من لك بعد الله لو تركتك وحيدة في ذلك الصقيع، وحال بيني وبينك التراب ؟!

    لا أستطيع أن أتخيل الزمان يجور عليك وحدك تجترين الذكريات، ثم تقولين: أكان يجب أن أربط مصيري بهذه النهاية؟ أريدك حينما تتذكرينني، في أي مكان أو زمان كنت، تتذكرين رجلا أحب امرأة هي أنت، وأن أتذكر امرأة أحبت رجلا هو أنا، وافترقا على الحب، وضحى كلاهما من أجل الآخر، كأحسن ما تكون التضحية. ضحيّت أنا بقلبي من أجل سعادتك، وخوف شقائك، وضحيّت أنت بقبول عرض قاسٍ مثل هذا، والاستسلام لمستقبل مجهول !! ))

    وفي لحظات الوداع الأخيرة…كان هذا الحوار الغريب والصورة الحسية العجيبة يراها كل قارئ،في تصوير ابداعي اجاد فيه كاتبه ايما اجادة،ابرز فيها صورا حسية،وعواطف جامحة مترددة،وعويل متصل ..النص الأبداعي غاية في التمكن كأنك ترى فلما سينمائيا تحس بنبضات قلوب ممثليه،تسمع تردد انفاسهم وغريب تحركاتهم…يقول :

    ((…قالت بصوت باكٍ :

    - وغير هذا الكلام …؟

    نظر إليها نظرة كسيرة ولم يردّ.

    فعاودت سؤاله مرة أخرى:

    - وأنت..؟

    - سأجد ما أنشغل به .

    - تبقى وحيداً…؟

    - ربما أجد امرأة مثلي لا تنجب، أو أرملة تحتاجني ظلا تأوي إليه، هي وصغارها، وأحتاجها شريكة عمر لما بقى من العمر. )).

    . . .

    يسدل الستار ، ليفتح من جديد :

    ((…حينما وصلا، قال لها وهم في الطريق إلى بيت أهلها :

    - ليس أصعب علي من أن أقول لك وداعا، والذي يمزق قلبي أني سأودعك بكلمة ليست بغيضة إلى قلبي فقط، بل إلى الله سبحانه.

    - ألا تنتظر يوما أو يومين..؟

    - الانتظار يزيد عذابي.

    عند الباب سلمها مفتاح منزلهما وقال :

    - هذا مفتاح البيت، أنا لن أعود إليه، كل ما فيه لك.. وداعاً.. سأظل أذكرك، وأتابع أمرك من بعيد.. سلامي للأهل.. نحن الآن…

    وخنقتـه العبرة ولم يكمل ، شد على يدها، ثم استدار منصرفا، فَعَلا نشيجُها، وهي ترمقه، يتجه نحو السيارة . ما هي إلا لحظات حتى كانت هي ، والشارع ، والفضاء ، والوحشة .)).

    تصوروا المنظر العجيب……؟؟

    إبداع في غاية الروعة والتفرد ، تفكروا مليا حين رحل ، وبقيتْ هي والشارع والفضاء…والوحشة..!!

    بعد ذلك…تتواصل الحياة….ويتواصل النص الأبداعي إمطارا في كليمات لاتطول،واستطراد لايملل،وهنا يكمن الأبداع،بلا إملال او إطالة…!!

    تزوجت أمل :

    ((…انقضى عام على زواجها، وخيال أحمد تلاشى، أو يكاد من بالها، وها هو ثمرة زواجها، جنين يتحرك في أحشائها، تنتظر قدومه بلهفة، في غضون اشهر معدودة . هل علاقاتها الطيبة بزوجها.. أم هذا الطفل الذي تترقب وصوله، هو الذي أنساها أحمد ؟ تصرمت الأشهر ورزقت بطفلها الأول. )).

    ويعاود الكاتب…ابراز صور حسية غاية في الدقة،صور دقيقة جدا،انت لاتقرا فيها شيئا لاتفهمه،بل ترى فلما امامك وتحس بعواطف في داخلك،وترى الاقصوصة كثيرا في بيئتك،فبطل القصة ليس – كما تعودنا – استيفن او روبن او كاترين،بل أحمد وهيا وموضي …ابطال القصص ليسوا قادمين من ديار بعيدة لانعرف عنها شيئا،ابطال القصص هم نحن…أحمد…موضي…أمل…والمدينة ليست باريس…والقصة لم تدور رحاها على ضفاف الدون او في جبال الألب او في وسط باريس،بل في وسط الصحراء…الرياض…المدينة…جدة…!!

    وعند هذه النقطة امر غريب وعجيب…مابقي بذاكرتي من ما يسمى الروايات السعودية شي مخزي وسخيف،ولا اود ان اذكر اسماء لمن كتب تلك الرواية الطافحة جنسا ومجونا وتفاهه،وقد تغيرت نظرتي كثيرا بعد قراءاتي للدكتور الحضيف………؟؟

    نعود لأمل….ولأحمد الذي أطفأ قلبه………ويعود بنا المخرج الكبير لالتقاط صورة أخرى يصورها حسيا وخياليا في قالب ابداعي ادبي محلي منظور و مشاهد….

    أمل في المستشفى…للتو جائها الولد والحلم الذي أطفأ من اجله أحمد الوافي قلبه….!!

    يقول :

    لذة الاطفال لا يعدلها شيء.

    إنه ولد جميل.. نسميه “أحمد” ! قال زوجها .

    كأنما استيقظت من حلم ، فردت بسرعة :

    - أحمد ؟! .. لا .. لا غير أحمد.

    رد زوجها متسائلا :

    - ما به أحمد ؟. إنه اسم جميل.

    امتقع لونها، وتذكرته، بل تذكرت ليلتهما الأخيرة في المسجد النبوي.. عبارته تدوي في رأسها : “لن أكون أنانيا، من حقك أن يكون لديك أطفال”. اعتصر قلبها الألم وداهمتها خاطرة : “ماذا لو علم زوجها بهذا الموقف الذي وقفه زوجها الأول أحمد… كيف سيفسر قبولها باسم “أحمد”..؟

    لا شك انه سيعتقد، أو أن بعض السيئين سيصور له، أنه تعلق منها بأحمد، زوجهـا الأول . لا .. لا احتراماً لذكرى الأول، ولكرامة الثاني ، أي اسم إلا أحمد.

    - هل يمكن أن نسميه محمد.. أحب هذا الاسم ؟ سألته بعينين يملؤهما الاستعطاف . ابتسم ..

    - على بركة الله.

    سحبت آهة من أعماقها وقالت، وهي تنزل رأسها بهدوء على الوسادة :

    - الحمد لله ..!! )).

    ثم يمضي المشهد من جديد ، بعد هذه الراحة الطويلة السعيدة ، مرت الأعوام وصار كل شي في ذمة التاريخ ، الحب ، الذكرى ، وأحمد الوافي الذي أطفأ قلبه…ليعيش قلبها ، وضحى بسعادته لتتصل سعادتها ..!!

    ومرت الأيام ، الصغير يكبر ، والماضي يزداد في اللاشعور ولوغاً في ضياع ..!!

    والليلة زفاف ، تحضر فيها “امل” بكامل زينتها وبأرقى ملابسها ، قد نسيت كل ماقد مضى ، واقبلت على الحياة بروح جديدة ، وبإشراق جديد ، ودعونا هنا ��سدل الستار العجيب اللامنتهي ، عبر هذه الأقصوصة الساحرة النابضة بكل معنى شريف نفتقده في زمن الساقطات “بنات الرياض… رجاء الصانع”..!!

    ((…الليلة لديهم مناسبة سعيدة. شقيقة زوجها ستتزوج، وهي مشغولة بالاستعداد للمناسبة وتجهيز الأطفال. دق جرس الهاتف، رفعت السماعة:

    - من .. هدى..؟

    وعليكم السلام.. فعلا أنا مشغولة كما تعلمين. لن تستطيعي الحضور.. خير إن شاء الله..؟

    لماذا لا تخبريني الآن عن السبب..؟ كما تشائين ، لكن حاولي.. أرجوك.

    لم يكن هناك جديد في الحفلة، نفس النساء..(نفس الاهتمامات)، لدى الأغلبية. مضى أكثر من نصف الوقت، ولم تأت صديقتها هدى . بصفتها قريبة للعروس، فهي مطالبة بالتعبير عن الفرح.

    - تعالي ارقصي يا أمل.

    قريبات زوجها يطالبنها. تعدهن بابتسامة، وإيماءة من رأسها أنها ستفعل، لكن ليس الآن. وسط جموع النساء التي تملأ الصالة لاحظتها.. إنها صديقتها هدى، تتلفت، كأنما تبحث عنها، أشارت إليها، فأقبلت نحوها :

    - السلام عليكم ، معذرة عن التأخير لكن ..

    قاطعتها أمل :

    - الحمد لله على السلامة .. ما الأمر..؟

    - شقيقي عبدالرحمن في المستشفى، ولم أستطع أن آتي إلى هنا قبل أن أطمئن عليه ..

    - سلامته … مم يشكو ؟

    - لقد وصل البارحة من ( سراييفو ) ، حيث كان ضمن وفد إغاثي في البوسنة ، وسقطت عليهم قذيفة صربية، وهم في دار لرعاية المرضى المسنين .

    - وكيف حاله الآن..؟

    - وضعه طيب ولله الحمد، لكن زميله، الذي أصيب معه، هو الذي حالته خطرة. يقول شقيقي إن القذيفة مزقت كلية زميله ، وحيث أنه بكلية واحدة ، فإن حالته خطرة جداً .

    تساءلت أمل باستغراب :

    - لماذا هو بكلية واحدة..؟

    - لقد تبرع بكليته الأخرى لأحد أطفال زوجته ، الذي تعرض لفشل كلوي قبل عدة أشهر.

    - لم أفهم…؟

    - الشاب لا ينجب، وقد تزوج قبل أكثر من عام من امرأة أم أيتام، بعد طلاقه لزوجته الأولى .

    شعرت أمل بألم يضغط على صدرها، وسألت هدى بوجل :

    - ما اسم هذا الشاب ؟

    - على ما أذكر..أحمد..

    ردت بحدة :

    - أحمد..! أحمد من يا هدى..؟

    أمام استغراب هدى، قالت:

    - أظنه ” أحمد الوافي “.

    قالت أمل بألم ، وهي تضغط على الكلمات :

    - أحمد الوافي..؟

    - نعم.. هل تعرفينه..؟

    تلعثمت وردت بسرعة :

    - لا.. لا، ثم همست في سرّها : “إلى أين يمضي هذا الرجل في تضحياته..؟” .

    فـي هذه اللحظة كانت إحدى قريبات زوجها تسحبها من يدها، لتشاركهم في التعبير عن الفرح، شقت طريقها بين النساء، ووصلت حيث مطلوب منها أن ترقـص ، تعبيراً عن فرحتها. بدأت الزغاريد والاصوات ترتفع ، وتطلب من ضاربات الدفوف :

    - ( طقوا لأمل.. طقوا لأمل ) ..

    بدأت تتمايل ، مرة وثنتين وثلاث.. ثم سقطت وارتفع الصُّراخ .)) انتهى..

    سقطت أمل وارتفع الصراخ ، وأحمد الوافي بين الحياة والموت جريحا في المستشفى ، ويسدل الستار على هذه النهاية اللامنتهية ، اللامعقولة ، فلا أمل فاقت بعد غيبتها ، ولا أحمد ناج بعد مرضه ، لاحي فيرجي ولا ميت فينعى ، ونحن مابين “الأمل…والوفاء” ننتشل ارواحنا التي اضعناها ، وقلوبنا التي صارت رماد……!!

    ولازالت أنات ” الوفاء…تئن في صدري ، ونسيم الأمل يهب من مرابع الوجد” …!!

    لا أدري…أحاملٌ هو نسيم أمل ، ام عذاب…..؟؟

    ولكني بقيت منتظرا باحثا….!!

    عدتُ طفلا أسافر عبر ضباب الامس الى قريتي الدارسة …

    فلا أرى في الصحب ” وفاء …ولا ألمح في الواقع أملا “……

    وشمس الشتاء لم تشرق بعد……..!!

    فهل تشرق الشمس شتاء…؟!!

    **************

    الواقعية في قصص د. محمدالحضيف : قراءة نقدية


    بقلم : منى المديهش  (نشرت في منتدى الوسطية)، الخميس – الساعة 6:47 – أغسطس (2002م).

    ما فتئتُ كلما قرأت قصة جديدة للدكتور الحضيف،وقرأت مجمل تعليقات القراء عليها، أتساءل :متى سيثبت هذا الصداح أنه مازال من طينة البشر،ويتوقف عن صياغة هذا الإبداع،بدعوى الكف عن خطاب مَن لا يفهم ؟ ..متى ينصرف عن رسالة الأدب، بدعوى أنها بلا فائدة وبلا متلقين،وأنه أكبر من أن يصرف وقته فيها، وأنه سينشغل بماهو أولى ؟
    لقد خشيت من هذه النتيجة،لكن الدكتور أثبت أنه أكبر منها_ وإن كان معتنقوها أيضاً كبارا_ ..لكني ما زلت آسى على هذا الإبداع،كلما انتهيتُ من قراءته ثم وجدت تعليقاً عليه على شاكلة : ( هل القصة واقعية ..؟ ) بمعنى هل هي حقيقية .. أو( ما نهايتها؟.. اكتب لنا قصصاً كاملة..) … نعم ثمة قراء لا يفهمون القصة على أنها (إبداع) ،بل (حكاية) يجب أن يشعروا أنها حدثت فعلاً كي لا يندموا على وقتهم الذي ضاع فيها..حكاية قيلت لهم كي يشاركوا صاحبها بمنح التأثر المناسب،ثم ينصرفوا .. لا إبداعاً أدبياً قيل كي يبعث فيهم التأمل ويثير الأسئلة،ويعطي المتعة الأدبية بين ذلك ..
    حينما شكا الدكتور من تردده في نشر إحدى القصص ” بسبب موقف الإسلاميين من هذا الفن ، و المتمثل في (شخصنة) العمل الأدبي ، و رفض (أدوات ) العمل الأدبي (الحديثة) و وصمها بـ(الحداثة) ، التي اكتسبت صيتا سيئا ” نسي أن يشتكي من صنف آخر .. الصنف الذي يخلع أحداث القصة على كاتبها ..الصنف الذي يقرأ القصة التي تكتبها على أنها قصتك أنت .. لمجرد أنك أخلصت فيها فأثّرت وأقنعت وصوّرت.إن من أبسط حقوق الإبداع الناضج : القراءة الواعية .. وبلا قراءة واعية يفقد الأدب دوره .. هذه محاولة لقراءة تحليلية في الإنتاج القصصي للمفكر الأديب : د. محمد الحضيف .. تعتذر هذه القراءة بدءاً عن تواضعها.. وبدائيتها.. قياساً إلى مستوى ذلك الإبداع وتاريخه ..

    لماذا الواقعية ؟ … وهل يكون الرومانسي واقعياً ..؟

    ــــــــــــــــــــــــــــ

    إن الملمح الأبرز في قصص الحضيف .. “الواقعية” التي تختلف بلاشك عن مفهوم الحقيقة ..القصة الحقيقية وقعت حقيقة ..وروايتها لا تحتاج إبداعاً تحتاج فقط سمعاً جيداً ..وعلى هذا فليست أدباً .. إنما حكايات مجالس …. الواقعية .. اتجاه أدبي يلتقط أفكاره ونماذجه من حياة الناس وواقعهم..من مشكلاتهم وقضاياهم.. من بؤسهم وأحزانهم ..الاتجاه الواقعي ..يأخذك إلى الطبقات الدنيا المسحوقة لتتأثر،ولا يصحبك إلى الطبقات العليا كي تنتشي .. الواقعية تضعك أمام نفسك بكل عيوبها ودقائقها..وأمام الحياة بكل أوجهها الخفية والظاهرة..

    للواقعية اتجاهات مختلفة( واقعية طبيعية، واقعية انتقادية…..) .. لكنها تجتمع كلها على كونها وليدة ” فلسفات ونظريات معينة ” وأن مجالها الأرحب هو”القص” أو السرد بأنواعه (قصة ، رواية ، مسرحية) وليس “الشعر”.. يشعرك هذا بأن الاتجاه الواقعي هو أكثر الاتجاهات الأدبية (الرومانسية، الكلاسيكية،الرمزية ..) ارتباطاً بـ “الـفـكـر ” ..

    هنا نكون حللنا المعادلة : لماذا تُدرس قصص الحضيف وفق هذا المنهج ….

    الحضيف أديبٌ طُــلـَعة،ولكنه مفكّـر قبل أن يكون أديباً، مفكّر قد أخدَم فكره أدبه؛ تجد في مقالاته الفكرية لغة الأديب، وتجد في إبداعه الأدبي روح المفكّر.. وميزته الكبرى أن الفكر فيه والعلم لم يأتيا على حساب الأدب ،كشأن الداخلين إلى عالم الكتابة الأدبية ببطاقة(المعرفة) لا غير..كم ضاق الأدب من شعر العلماء، ومن روايات المتخصصين،الذين لا يملكون أداة (الأديب) ويحسبون أن (العلم بالشيء) كافٍ للنجاح فيه..الإبداع الأدبي يحتاج مبدعاً ..يحتاج الشعر إلى شاعر.. ويحتاج القـَص إلى أديب .. لا مجرد(قادر)على كتابة الشعر،و(قادر)على كتابة القصة..

    والحضيف أديب ..تعرف ذلك من أسلوبه حتى ولو لم يكن بصدد كتابة نص أدبي.. تعرف ذلك من مقالاته.. من ردوده.. من نفثاته..حيث تجد اللغة المنتقاة، والأساليب الشاعرية، والعاطفة الثرة..مهما كان الكلام بسيطاً وعابراً .. تجد الشفافية الشعورية و التعبيرية التي اصطلح الناس على تسميتها (رومانسية) ..

    هذا هــــو .. وهذا ما كتب ..

    فهل يكون الرومانسي واقعياً ؟

    ..لامانع من اجتماعهما لدى الأديب مادام ياخذهما (منهجاً) وليس (مذهباً) ..المنهج مجرد أدوات وطرق وأساليب..أما المذهب فهوالفكرة المُعتـنـقة والنظرية المتـبـنّاة.. والحضيف من حيث (الفكر) لا ينتمي لاتجاه ..ينتمي للإسلام بكل شموليته، أما من حيث (الأداة) فقد استفاد من المناهج والنظريات الحديثة.. أو كما يقول: ” . أنا أكتب بأدواتي التي طورتها عبر مراحل متعددة . .أحاول عبر هذه الأدوات أن أحافظ على الفكرة الأساسية في كل عمل أكتبه..رفضت التصنيف من بداية نضجي المعرفي ، و تشكلي الفكري .. فأنا أكتب للإسلام ، و ليس لتيار بعينه .. الإسلام غاية نهائية ”

    هذا (مدخل) رأيت ألا بد منه قبل أن أتحدث عن ملامح الواقعية في قصص الدكتور، وعن آلياتها الفنية ..

    ملامح الواقعية وآلياتها الفنية :

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    من أهم خصائص الواقعية أنها تأخذ موضوعاتها من واقع الناس وتعرضه كما هو بلا محسنات .. وأنها تهتم بالطبقات الدنيا خاصة.. في قصة ( موضي .. حلم يموت تحت الأقدام) يتضح بجلاء هذا الملمح .. القصة تأخذنا إلى عالم العوز والحاجة،وتطرح قضايا الاقتصاد، ومشكلات التناقض في المجتمع ، من خلال (موضي) الطالبة الفقيرة التي وقعت ضحية الجهل والحاجة،و(محمد) الذي يجد نفسه فجأة أمام قضيتها،وينتقل -عبر أحداث القصة- إلى حيها ودارها ومدرستها، كما يبدو في هذه النماذج: “مرة أخرى يبرح بي الألم 00 تبدو لغة المحرومين 00 ساذجة 0بريئة ، لكنها تدمي القلب 0 يحق لك أن تزهو 00 ابن الطبقة الوسطى ، أو فوقها بقليل 00 تعرف الكوكتيل 00 والسكالوب 00 والستيك 00 ها أنت أمام كائن يشاركك نفس الكوكب..ونفس الوطن 00 بل على الطرف الثاني من المدينة 00 ربما لم يعرف سائلا غير الماء في حياته” / ” أبلا نوره 00 دائما تنهي الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة 00 لكن 00 ثم سكتت قليلا 00 لتقول : البنات في الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون : الأبلا ساكنة في شمال الرياض 00 وتحسب الناس كلهم مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية”/ “أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر 00؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد 00 أنت تعرف السعادة 00 وربما سمعت عن الشقاء ، هولا يعرف الا الشقاء 0 أنت تعرف شيئا اسمه الحزن 00 والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن”/” وصلت 00 وقرعت الباب 00 كنت مرتبكا قليلا 0 أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي 00 لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) 00 بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد 00 تساءلت في نفسي : أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت 00 الفقر 00 والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية 00 وإنخفاض مستوى التعليم 00 وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة 00 في عقول ساكنيها؟ ”

    ونلحظ هنا أن أسلوب (ضمير المتكلم) قد أتاح للكاتب أن يطرح رؤاه وتعليقاته دون أن يشعر القارىء بأن ثمة تدخلا ما ، فضمير المتكلم أعطى اتحاداً بين البطل والراوي.

    من ملامح الواقعية: تصوير ضعف النفس البشرية، وصراعها مع نفسها،وهذا ما نجده يتمثل في قصة(ديمي..حب أول) خاصة في الحوار الداخلي بين البطل ونفسه الذي بيّن مقدار صراعه بين الهوى والمُثُل:

    “طأطأت رأسي ، وتذكرت أني لابد أن أديم النظر إليها وأنا أحدثها ، مجيبا على سؤالها . هكذا هو العرف في ثقافتها ، و إلا كنت قليل أدب ، ومحتقر للطرف الآخر ، الذي أتحدث معه . يا إلهي ماذا أصنع ؟ لقد أصبح النظر إليها يعذبني مرتين . يعذب قلبي ، الذي تاه في فضاءات وجهها ، الذي أبدعت قدره الخالق في تصويره ، ويعذب نفسي التي تعلم أنها ترتع في حرام .

    يا إلهي ساعدني فإن قدمي تزل : هل أطيع نفسي وشيطاني ، الذي يتمسح بالعرف في ثقافتها .. وبالدعوة . أم أطيع نداء ضميري ، الذي يقول لي ، بل يصرخ بي : إنك في دروب الغواية سائر ؟ هل حقا يعنيك أن تحدثها عن الإسلام ..؟ تستمر عيناي معلقتان …”

    من ملامح الواقعية : البعد عن الذات وهمومها الضيّقة، والاهتمام بهموم الجماعة ..وهذه تمثلها قصص الحضيف كلها، فحتى لو طرحت معاناة شخصية يكون طرحها من حيث انتماؤها لعالم الإنسان، ومن حيث كونها جزءاً من قضايا المجتمع التي يُشكّلها فرد وتنسحب عليه كله..

    من ملامحها أيضاً في قصص الحضيف: الاهتمام بتصوير البيئة ..ذكر أسماء المناطق التي تجري بها الأحداث.. اختيار أسماء الشخصيات مما يكون عادة شائعاً في البيئة التي تدور فيها القصة ..فقصة ( موضي )مثلاً يشعر قارئها بأنها جزء حقيقي من عالمه الذي يعيش فيه من خلال تصوير البيئة بمنازلها وشوارعها وأسماء أحيائها و أوصاف أشخاصها وأسمائهم ..

    من ملامحها أيضاً : سعة التجارب وتنوع الموضوعات .. من شأن الكتاب الذاتيين تكرار الموضوعات لأن مرجعهم ذواتهم والذات مهما بلغت تظل محدودة ، أما الكاتب الموضوعي/ الواقعي فتختلف رؤاه وتتنوع موضوعاته لأنها مستقاة من المجتمع ومن تجاربه مع المجتمع..والمجتمع بلا شك أوسع مدىً من الذات ..

    هذا استعراض لـ ( أبرز) ملامح الواقعية ، مع (إشارات) لبعض الآليات الفنية ..أنتقل الآن لعرض أكثر تحديداً لهذه الآليات ؛ لدورها الفاعل في إيصال تلك الملامح ..

    أولــهــــا _ وهو عنصر يجمع بين كونه ملمحاً واقعياً وآلية فنية_ :

    الصدق الواقعي والفني في تصوير الشخصية .. حينما تسمع شخصية وهي ( تتكلم) في قصص الحضيف أو تراها وهي (تفعل) .. تجدها ناطقة بالصورة التي رسمها لها .. تجدها لا تخرج عن خصائصها..تماماً كما لو كانت جزءاً حقيقياً من الحياة .. بمعنى آخر : تجد لكل شخصية (أفعالها) الخاصة و( معجمها) الخاص الذي لا يختلط مع شخصيات أخرى ..تجدها لا تنطق إلا بما يتلاءم معها .. وتجد نفسك أيضاً قد خرجت بانطباع وتكوين نفسي عن كل شخصية دون أن يتطوع المؤلف ويشرح لك مواصفات كل شخصية أو سماتها العامة ..

    هذه مهارة قصصية .. وقد وفّق الكاتب إليها بطريقين : الأول : التقمص لكل شخصية قبل الحديث عنها ، و حسن الانتقال بين زوايا الرؤى المختلفة، مما يجعله قادراً على التعبير عن محاورات الشخصيات بنفس القوة على الرغم من اختلاف وجهات النظر، كما في هذا المقطع من ( أحمد الذي أطفأ قلبه) :

    “- قدرنا يجب أن نسلم به، وأن نواجهه بشجاعة، أنا رجل لا أنجب، وأنت من حقك أن يكون لك أطفال قالت بصوت تخنقه العبرات :

    - من قال لك إني أريد أطفال ؟ من حدثك بهذا ؟ أنا أريدك أنت، أنا أحبك، ولا يهمني شيء آخر غيرك!!

    - هذا صوت العاطفة، لا صوت العقل يا أمل

    - بل هذا صوتي كلي: جوارحي، قلبي، عقلي، روحي، جسدي…

    - لن أكون أنانياً يا أمل، أنا أحبك بنفس القدر، لذلك أريد أن أرى لك أطفالا. سنوات يا أمل ثم ندخل خريف العمر. من لك بعد الله لو تركتك وحيدة في ذلك الصقيع، وحال بيني وبينك التراب ؟! لا أستطيع أن أتخيل الزمان يجور عليك وحدك تجترين الذكريات، ثم تقولين: أكان يجب أن أربط مصيري بهذه النهاية؟ ..”

    والثاني : الاقتراب – لدى رسم كل شخصية – من نموذجها في الواقع …لنأخذ هذا المثال في وصف الرجل والمرأة من قصة ( الدرس .. قراءة في التابع والمتبوع) :

    ” أكثر شئ يضايقه ، حينما تبدأ زوجته بعقد مقارنة بينه وبين زملاء دراسته في الجامعة ، تقول : تأمل 00 فلان أصبح مسؤلا كبيرا في الدائرة الفلانية ، وأنظر 000 فلان غدا صاحب منصب رفيع في تلك المؤسسة 0 تفعل ذلك وهي تضع السفرة ، وتفعلـه وهي ترفعها ، وحينما تشرب هي وإياه الشاهي في غرفة المعيشة ، أو عندما يخرجان هم والأطفال في السيارة لغرض ما 0 وهي غالبا ما تختم حديثها قائلة : (أنا أعلم أنك لست أقل منهم قدرة وكفاءة 00 أليس ذلك عجيبا 00؟)

    “كثيرا ما يرد على تساؤلاتها بإبتسامة ، وقد يقول أحيانا ، حينما يراها مهتمة جدا : ألسنا نعيش مثلهم وأحسن 00 وهل قصرت عليك بشئ يا حبيبتي 00؟ تستحي وتقول : لا 00 فقط أنا أتعجب ، ألا ترى أن هناك سر ….”

    ” رغم أنها تعلم أنه لا يقبل المناقشة في هذا الموضوع ، ويعده مسألة مفروغ منها ، إلا أنها لا تفتأ تلمح له ، من خلال ضرب الأمثال ، أن مواقفه ضرب من المستحيل ، كأن تقول : (من لا يحني رأسه تقتلعه العاصفة) ، أو (اليد التي لا تقدر على كسرها قبلها) ، وغيرها من ذلك الرصيد الضخم من الأمثال الشعبية ، مثل (الموت مع الجماعة رحمة)..”

    ” – هل تقبلين بالفساد ، وأكل الأموال بالباطل 00��

    - ما شأننا نحن ؟ …أنظر فلان وعلان ، الذين طالما تطعمت بالحديث عن التزامهم وتضحياتهم ، وأقحمت ذكرهم في أمسياتنا .. أين صـاروا 000 وأين أصبحـت أنت 00؟ وجاهة 00 وأموال ..

    - هذا عرض قريب ، وسفر قاصد يا زهراء ..”

    نجد هنا صورة شخصية لـ “المناضل” الذي يعيش (للفكرة والمبدأ) في عصر يكون فيه التمسك بهذين مقابلاً مضاداً لـ(ثراء العيش) و(المراكز) …. وصورة أخرى لـ ” زوجته” التي تميل بأثر من طبيعتها إلى رخاء العيش على الرغم من وجود اقتناع أو تمثـُّـل للمبادئ في نفسها .. (الميل) كان فطرياً .. و(الاقتناع ) كان مكتسباً { ربما بأثر من صحبتها للمناضل والتأثربأفكاره } ..

    هذا الموقف الراسخ من الزوج/ الرجل ، والصراع أو التذبذب من الزوجة/ المرأة .. هو الوضع الواقعي أو الطبيعي ..وهذه الصورة القصصية تحاكي إلى حد كبير الصورة الحقيقية ، وعكس الوضعين لا يستقيم … هذه الرؤية ستعارضها بكل تأكيد داعيات المساواة ، ولكنها الحقيقة ،والحقيقة دائماً تُبنى على (الثابت) لا على (الشاذ) .. نعم توجد نماذج ، مثلما قص القرآن عن امرأة فرعون .. لكنها تظل نادرة .. ولذا ( كمل من الرجال كثير،ولم يكمل من النساء إلا ..) !

    هذا ما يتعلق بأولى الآليات الفنية ” الصدق الواقعي والفني في رسم الشخصية ” ..

    الآلية الثانية هي “الـرمــز” : نجد هذا في قصتين هما( الدرس.. قراءة في التابع والمتبوع) و( زينب يعصرها الأسى ).. في التابع والمتبوع ، نجد البطل ينقل فكرته إلى زوجته وأبنائه بطريق عملية القص واللصق لصور الحيوانات،وحينما تنتهي العائلة إلى استنتاج أن (الرأس) يختلف كثيراً عن ( الذنب) وأن الرأس دائماً موضعه الصحيح واحد في حين أن الذنب يمكن أن يوضع في أي مكان بلا فارق يُذكر،حينما تنتهي العائلة إلى ذلك يكون البطل قد عبّر عن مفهوم (الهوية) هوية الفكر وهوية المبدأ..

    في هذه القصة يتيح الرمز عقد موازنات بأثر من الإيحاء اللغوي للـّـفظ وضده .. نلمح هذا مثلاً في المقارنة بين (مشاكل) الرأس و( دوره) في ظل أنشودة الطفل التي تعلمها في المدرسة(لا تكن رأساً) التي هي في نفس الوقت صورة تعبيرية لمراد الزوجة حينما كانت تدعوه من طرف خفي لأن يكون مثل أصحابه، الذين وصلوا لأشياء عبر تقديم تنازلات عن أشياء.. ونلمحه أيضاً في الموازنة بين (الرأس) الذي لا يقبل إلا مكانه الصحيح و(الذيل) الذي يقبل أن يُوضع في أي مكان :

    ” ما هي النتيجة التي خرجنا بها من قيامنا بخلط أجزاء الحيوانات ؟

    - قالت أروى : أنا فهمت أن الرأس لابد أن يكون رأسا 00 أعنى من الصعب أن نلعب بالرأس ونضعه في مكان غير مكانه”

    ونلمح هنا براعة توظيف اللفظ في قول الصغيرة أروى:” من الصعب أن نلعب بالرأس ..” فمفردة اللعب تحمل معنيين قريب وبعيد.. (لعب الطفولة) الذي يتلاءم في القصة مع الصغار أروى وبشير،ووالدهم الذي يبدو وكأنه يسليهم بصور الحيوانات.. و(اللعب بالعقول) حينما تُغرى أو تُغرّ فتـُعطى عرضاً قريباً لترضى بغير ما هو لها .. هذا اللعب الذي لا يمكن أن يرضى به إلا من كان (ذيلاً) لا من كان (رأساً) ..

    من الآليات الفنية أيضاً :

    - المراوحة بين أساليب الخطاب ( سخرية ، شجن ، تشويق، تأمل ) ..تفاوت الشعور النفسي .. هذه الميزة في قصص الحضيف تشبه الموسيقا الداخلية في الشعر.. شيء يضفي جاذبية على القصة وهو غير منظور …يحضرني في هذه النقطة تعليق أحد القراء على قصة ( ديمي) حينما قال أنه ظل مسمّـراً على الشاشة على الرغم من طول القصة الذي يصل إلى أربعين صفحة…. في نظري أن هذه الميزة هي التي خدمت قصص الحضيف طويلاً …الذي يقرأ قصة من قصص الحضيف يشعر وكأنه يطل على صندوق ذكريات عتيق .. مرة يبتسم .. ومرة يغرق في شجوعميق .. ومرة يتأمل .. هذه التنقلات الشعورية التي تاتي تبعاً لتنقلات الحدث في القصة الواحدة تقطع رتابة السرد،وتضفي حيوية على القص..

    - توظيف الثقافات لإعطاء بعد تأملي ، وإضفاء ثراء وجاذبية أيضاً؛ فالإنسان ينجذب إلى المعرفة الجديدة ..كما في هذا المقطع من حديث (ديمي) مثلاً :

    ” ـ أنت شخص جاد ، لديك اهتمامات خاصة . ربما بتأثير من الثقافة التي تنتمي إليها ، علاقاتك النسائية محدودة ، ولا يبدو أنك تسعى إلى شئ من ذلك . ضع هذه المعطيات في جانب . الأماكن الأخرى في المكتبة تكثر فيها الحركة ، ويكثر فيها تحرك الطالبات . نحن البنات نحب الاستعراض ، حتى في الأجواء الأكاديمية . النتيجة ، بناء على ما سبق ، ستكون في مكان مثل هذا . طبيعي أني لم آت إلى هنا مباشرة ، ولكن بعد مسح سريع للأماكن الأخرى ، تأكدت أنك إن كنت في المكتبة فلابد أن تكون في مثل هذا المكان .. توقعاتي صحيحة ، أليس كذلك .. ما رأيك ألست خبيرة (سايكولوجية) جيدة .. ؟ ـ لم يكن صعبا .. شخص مثلك ، من السهل على من هو مثلي ، أن يعرف مفتاح شخصيته .هل نسيت أن تخصصي الفرعي علم نفس .. أه عفوا .. نسيت أن أخبرك ذلك . أنا بالمناسبة ، أدون في دفتر ملاحظاتي كل شيء عن الأشخاص الذين التقي بهم . هل يزعجك أن تعلم أني فعلت الشيء نفسه معك .. ؟

    - النهايات المفتوحة لبعض القصص .. وهي سمة لـ(واقعية) الطرح …. حينما تكون المشكلة ماتزال قائمة .. وحلها يحتاج إلى عوامل كثيرة .. تأتي النهاية المفتوحة لبيان أن الواقع مازال معلقاً ..ثم إن النهاية المفتوحة (فنياً) تعني أن يبقى القارىء مستثار الذهن متأملاً وأن يكون أمام عدة دروب للحل.. في حين أن النهاية المغلقة تعطيه إجابة نهائية، ومجال التأثير الفكري التأملي فيها أضيق من مجال النهايات المفتوحة.

    - سمة أستطيع أن أسميها( قراءة الشعور) وهي تعليقات عميقة متداخلة بين أجزاء الحوار تصور الذي يدور في ذهن الشخصية حينما تتكلم..أوتحلل دوافعها النفسية لأن تقول ما قالته ..هذه التعليقات تضفي عمقاً تأملياً .. وتُنشئ نوعاً من التلاحم بين القارئ والشخصية التي يقرأ عنها..

    - بث القيم بأسلوب رفيع يرتكز على الإيحاء لا المباشرة أو بمعنى آخر : ترسيخ الهدف والقيمة بأسلوب فني يلمح ولا يصرح .. مثلاً في قصة (أحمد) نجد هذه العبارة في حوار هدى وأمل عن أحمد الوافي :

    ” لقد وصل البارحة من (سراييفو)، حيث كان ضمن وفد إغاثي في البوسنة”

    هذه العبارة تبين أن أحمد (الوفي) (المنكر للذات) هو من الشباب الصالح الملتزم .. وهي في الوقت نفسه ترسّخ قيمة هي أن الخلق الكريم يكون في أهل الصلاح ..

    هذه القيم بثها المؤلف عبر هذا الأسلوب القصصي اللماح ، فاستطاع أن يغرسها في نفس القارئ دون أن يبث تقريراً عن صلة الخلق بالدين أو عن ظلم المجتمع لأهل الصلاح والتركيز على عيوب نماذج فردية منهم لسحبها على الجميع ..

    مثال آخر نجده في قصة ديمي .. :

    ” ـ أريد أن استعير دفترك .. بالمناسبة أنت مسلم ..؟

    ألتفت إلى مصدر السؤال ، الذي كان مفاجئا لي ، لتصطدم عيناي بمفاجأة أكبر . لقد كان الذي جلس بجواري ، وطلب دفتري ، فتاة في غاية الجمال . كانت تقلب بين يديها لاصق من ذلك النوع الذي يوضع على مؤخرة السيارة ، والذي يحمل عبارات مثل :

    ” اقرأ القرآن .. آخر وحي نزل من السماء ” ، أو ” الإسلام آخر الديانات السماوية .. تعرف عليه ” .

    كان اللاصق ، مع أوراق أخرى عن الإسلام ، موجود ضمن دفتر محاضراتي ، الذي طلبت الاطلاع عليه . قلت لها ، وأنا أحاول ترتيب دفتري ……”

    هنا نجد إيحاء بأن المسلم داعية أينما كان .. فهذا البطل مُبتعث للدراسة ، ولكنه يستغل وجوده هناك للدعوة إلى الله ..

    ميزة هذه المعلومة أنها جاءت إيحاءاً .. وأنها ملتحمة التحاماً وثيقاً ببنية القصة، فهي جزء من الحدث وجزء من رسم الشخصية في نفس الوقت الذي تبث فيه قيمة مضمونية ،وهنا لا يشعر القارئ بأن المؤلف يتقصد أن يعطيه درساً ..أو يستعلي عليه .. أو يستغفله حينما يقطع القصة ليورد أشياء لا داعي لها لمجرد اعتقاده أن القارئ يلزمه العلم بها ..

    أنطلق من هذه الآلية الفنية الأخيرة لأبيّن : ما الذي أضافه الدكتور للاتجاه الواقعي ؟

    إنني أرى أن الدكتورقام بأسـلـَمَـة هذا الاتجاه .. أي جعله موافقاً للبلد المسلم والمجتمع المسلم والمتلقي المسلم ..

    الدكتور أخذ من الاتجاه قوالبه الفنية أو آليّاته وطوّعها لتوافق عقيدته ومجتمعه ..

    هل تم هذا بمجرد بثه للقيم الإسلامية والدعوية في القصة كما رأينا في النموذجين السابقين ؟ … هذا واحد من نواحي الأسـلـَـمَـة .. لكن ثمة نواحٍ أخرى ، لعل أهمها وأبرزها : مخالفته للواقعيين العرب في طريقته في الاستفادة من هذا المنهج .. هم أخذوا (الآلية) الغربية و ( المحتوى) الغربي أيضاً : حينما يكتب أحدهم رواية واقعية فإنما ياخذ أسماء شخصيات بلاده وأسماء مدنها فقط ، أما الأحداث فيأتي بها من قراءاته للقصص الغربي ويسقطها على بلده .. ويحسب أنه لن يكون واقعياً إلا إذا كتب كذا؛ فتجد روايته قائمة على الرذيلة والخطأ والإلحاد والشر … ويدّعي – إذا نوقش- أن هذا مما لا يخلو منه مجتمع ،وأن الواقعية تتطلب التركيز على هذا .. وينسى أن الواقعية تتطلب الموضوعية والإخلاص لا التركيز على الشواذ .. بل إن الذين صنعوا هذا الاتجاه تكلموا عن مجتمعهم وفق ماهو شائع فيه ، و الشائع/ الأصل عندهم ليس مثل الشائع/ الأصل عندنا ..

    أما واقعية الحضيف فهي تأخذ ( الآلية) الغربية فقط ، أما (المحتوى) فتستمده من المجتمع المسلم ؛ أي تأخذ مشكلات المجتمع منه لا من غيره .. تركّز على عيوب المجتمع وتعرّي واقع المجتمع ، لكنها (لا تستورد) للمجتمع مشكلاتٍ ليست فيه ..

    أخيراً :

    أشعر أني أطلت والقراءة النقدية دائماً أثقلُ ظلاً من القصة .. و لا أظن الذي صبر على قراءة قصص الحضيف الطويلة سيمنح هذه القراءة صبراً مماثلاً !.. لذا سأشير إلى النقطة الأخيرة إشارات فقط ..(مع أنها تحتاج إلى قراءة مستقلة) ..

    والنقطة تتعلق بـ (اللغة) في قصص الحضيف .. وهي تتميز بالتوافق الفني مع مستويات الشخصيات العمرية والثقافية(في الحوار) و الأسلوب الحكائي التصويري البعيد عن الإنشائية والتقعّر(في السرد) .

    كما تتميز بالمنحى الشاعري المحلق، وخاصة في بعض مقاطع التداعي ،حتى أن بعض الجمل تشكّـل إبداعاً مستقلاً :

    “شخص أطفأ قلبه ليوقد لها شمعة” (أحمد الذي..)

    ” ولم تصنع لنفسها حياة ، لأنها كانت مشغولة بصناعة الحياة لغيرها” (وداعاً هيا).

    *****************

    سنوات المتعة والعذاب..!


    بقلم : بدوي أورق الرمل له 
        الثلاثاء 12-ذو الحجة-1424هـ 07:30مساء

    بدوي أورق الرمل له 31-8-2002 12:35الإهداء : إلى محمد الحضيف و بقية الرفاق الشجعان ..
    فاتحة / ساءلت نفسي أتراه مازال يذكر .. فبغتني ردها الصاعق .. و أنت .. أنسيته ؟!
    أنساك ..!

    معاذ الهوى ..

    أتنسى النوارس شطآنها ..

    و تنسى العصافير أعشاشها ..؟!

    ذات ليلة من ليالي صيف نجد الحارقة كان الطائر الفضي يُقاد عنوة مع سربه إلى قفص ظن سجانه أنه المكان الأنسب لمنع السرب من التحليق .. ليلتها كنت – على سريري – ملتحفا بغطاء أسود!!

    أكتب إليك – أبا المنذر- ( شبحا ) بعد عين .. يداي ترتعشان .. كلما أمرت إصبعا عصى ..

    منذ تلك الليلة و أنا أبحث عن الموت في كل ليلة فلا أجده ..

    .. قبيل الفجر.. في نفس الساعة التي اقتادوا فيها السرب .. أسمع صوتا طالعا من قاع العار .. شبيها بصوت الريح المتسربة عبر ثقوب القلب .. ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ..!) أشعر بالصداع .. أعاود البحث عن موت .. نوم .. لا فائدة !!

    آه .. يالها من ليلة حبلى بوهم الفجر و سراب النور .. ماذا أفعل بذلك الوقت الطويل الذي يتدفق من الزمن الضيق ؟!

    وحدي .. مع غصص حرار .. و وطأة صمت .. و غربة حلم .. و أشباح السنين ( الثلاث ) ماثلة أمامي تتشظى مزقا تشعل حرائق الحسرة داخلي .. أهرب .. أبحث عن يد تومئ لي من كوة الإشفاق .. فلا أسمع سوى حشرجة الميت .. و إجهاشة النعاة .. و أنين الأماني .. أعود أطلب الموت .. ما أسوأ أن تبحث عن الموت و الحياة في آن معا .. آن للنعش الذي أودعته حسرات الأمس أن يدفن .. و يعود ذلك الصوت ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ) يكاد رأسي ينفجر ..

    أحاول أن أنسى تلك الليلة الصيفية .. أنسى فصل الصيف كله .. أتذكّر الربيع .. ليس عندنا ربيع في نجد .. صيف و شتاء فقط .. ترى هل القلوب انعكاس للفصول .. ؟ قلوب النجديين صيفية أو شتوية .. لا ربيع فيها ..! كم أحلم بليلة ربيعية .. نادرة هي في نجد .. بضع ساعات من بعض ليال الصيف تكون ربيعية ..

    ليلة ربيعية .. ؟!

    أتذكر يا أبا المنذر..؟

    أتذكر تلك الليلة القمراء و الشهر في أوله ؟!

    كنت تقول لي : ( الساكت عن الحق شيطان أخرس .. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) كان نور الإيمان و شعاع الثقة بالله يتدفقان من تضاريس روحك .. كم هي غنية روحك بالثروات ..

    قلت لك هذا غباء .. إلقاء بالنفس إلى التهلكة .. أغضيتَ و لذتَ بالصمت .. الصمت هو كلمة السر فيما بيننا .. احترمتَ جبني و ضعفي .. و لم أحترم شجاعتك .. و افترقنا دون وداع ..

    ياااه .. كم يصيبني الدوار كلما تذكرت ذلك المشهد .. أشعر أني أتدحرج على سلم الزمن سنوات إلى الوراء ..

    لقد صنعت لنفسي – منذ تيك الليلة – نمطا من الحياة له مذاق الموت .. لقد كانت آخر عهدي بك ..

    أليس غريبا أن تكون الشجاعة آخر عهدي بك .. و أن يكون الجبن و الذل آخر عهدك بي ..؟!

    أليس غريبا أن تقضي و رفاقك الشجعان سنوات العذاب في متعة و حبور خلف قضبان ( الحاير) .. و أقضي أنا سنوات المتعة في عذاب و مذلة خلف قضبان ( الحياة ) !!

    كم هي محظوظة تلك الزنزانة بكم .. أتراها كانت تشعر بالسعة .. بالرحابة .. بالنور .. في حين اختنقت الحياة بنا و ضاقت بما رحبت .. ياليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما ..

    حدثني – يا أبا المنذر – عن تلك السنوات الأربع .. حدثني عن الكبرياء .. عن البطولة .. عن السرب الذي أتى من حرم التاريخ .. معتصبا بالنجم .. متشحا بالإباء .. متدثرا بالنور .. محلقا على شفة الخلود .. متجاوزا هام الخطوب .. حتى اقشعرت من وهجه الجبال .. و نامت تحت لوائه الأقدار .. حدثني عن ليالي ( الحاير) .. عن أحلامه العذاب .. عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..

    حدّث .. و زد .. فإنما تقتل حيا و تحيي ميتا ..

    حدثني عنهم واحدا .. واحدا .. ولتبدأ بأخيك ..

    من ..؟!

    أخوك ..؟!

    ما أعذب أن يكون للمرء أخ كأخيك ..

    رحمه الله .. كان وحده أساطير بطولة .. و روايات إباء .. كان نقيا نقاء رمل الشاطئ ما تنفك الأمواج تغسله موجة موجة .. لم يرض أن تداس كرامته و تلطخ بالوحل.. فأبى إلا أن يغسلها بـ( ماء النار ) ..

    كلما تذكرت صورته (المشرقة) ارتسمت في مخيلتي صورتان ( قاتمتان) .. الأولى لنا و نحن كالجمادات تهان كرامتنا و لا ننبس ببنت شفة .. و الأخرى أكثر قتاما .. لنفر خانوا الله و أشبعوا شبق الطغاة .. أولئك الذين قضوا بإزهاق الروح التي علمتنا درس الكرامة .. أوكلما أوقد الله فينا نور كرامة أطفأناها ؟! ترى أكان جبنا ما فعلوا أم جشعا ؟! .. و يرتد الصدى .. هما معا .. هما معا ..

    خاتمة :

    نعم .. أيها الشجعان .. ( من لا يعرف كيف يحيا .. لن يعرف كيف يموت ) .. الآن فقط آمنت أن مثلي يجب ألا يكون من الأحياء و لا من الأموات .. هكذا هم الجبناء دائما ..!!

    %%%%%%%%

    (تعليق)
    الدكتور محمد الحضيف 07-9-2002 
     17:56 13.منذ دخلت السجن وأنا أعيد قراءة نفسي .. وأطرح عليها السؤال الكبير : ماذا قدمت .. ؟ أربع سنوات فى السجن ، وأربع بعدها .. وألم التساؤل .. له رائحة الدم ، وطعم الفجيعة ، وألوان الخيبة .. ووجه ( رغد ) .. التي رأت الدنيا ولم تر أباها .. يصافحني وجهها كل يوم ، ليذكرني .. بأن ثمة ( فصل ) لم يكتب .. عن مسيرة ( لم تبدأ ) .. لجمهور ( غير موجود ) ..

    يكبر الأطفال .. ويكبر معهم الأمل .. إلا ( رغد ) .. ! تكبر .. ويكبر الحزن معها .. تكبر .. وتكبر معها ( أبجدية ) تتحدث بصوت عال .. نقي ، عن ( مناضل ).. ضرب السيف بعنقه .. لأن الخيار كان : أن ( ينحني ) ليهوي السيف .. أو ( يرتفع ) ليواجه السيف .. ليصدّه عن هامات غرقت في التراب .. وهي تتمتم : ( اللهم أعز الإسلام والمسلمين ) ..

    عرج المناضل إلى برجه .. وانداحت روحه في مجرة هائلة .. وتشظت بين النجوم .. تفضح ( الزوايا ) المعتمة .. وبقيت الأبجدية ( تعوي ) في قيعان ( الفراغ ) .. حيث ثمة ( لا صدى ) .. من ارض تلبدت بالهامات الغارقة ..!

    حين يباغتك ( نص ) مثل هذا .. يصعد بك إلى مدارج علوية ، يعيدك إلى ( بدايات ) .. لترى النهاية ( !! ) .. يفعل كل هذا .. بكبير من الألم .. بكثير من الوفاء .. وأنت .. ! أنت واقف على ناصية التاريخ .. ابيضت ناصيتك .. فتراءت (لهم ) كـ ( راية ) استسلام ..! وللقلب وجيب كرقصة الحرب .. وفي العينين سواد .. غاض منهما الضوء .. فبدتا ..عميقة .. موحشة ، شأن الخنادق .. في خطوط الدفاع الاخيرة .. وكان كلما نضا ( المحارب ) درعه .. ليتحيز إلى فئة ، او يتحرف لـ ( قتال ) .. رشقته السهام : قد تخلى .. قد ( نكص ) ..! وكان قد غادره ( الرماة ) عاري الظهر .. ولما غفى الجرح .. زمجروا : يا لثارات ( الجهاد ) ..! البداية .. صارت امامه .. وأمام ( الأمام ) .. النهايات .. الأبجدية كبرت .. و ( رغد ) .. كبرت .. وهامات.. لم تزل غارقة .. وصوت طالع من ( قاع العار ) .. يصرخ ببهاء .. يناديك .. بينهما ( برزخ ) .. لا يبغيان .. بدوي أورق الرمل له .. وأنت .. تقتات من وجع ( ليلة قمراء ) .. تجتر التاريخ .. وتحتسي ( ماء النار ) .. على بقية ضوء .. ( نور من كرامة ) .. واقفاً على شاطئ من الم .. ( ما تنفك الأمواج تغسله موجة موجة ) .. منتظراً سرباً .. كنت معه يوماً ، ليـأتي من ( حرم التاريخ ) ..

    وحدك .. تلوك أحلامك ( العذاب ) .. وحدك .. تحرق بآهاتك الصحائف و ( العروض ) .. وتعجن الرماد بدموع المرارة .. و ( طعنات ) الرفاق .. وحدك .. ( تصبغ ) ناصيتك برماد ( الوثيقة ).. وترفض مشروعهم لـ ( السلام ) ..! وحدك .. تشق في قلبك كوة .. لتهدي للطوابير الجامدة رقصة الحرب.. وتجعل من جرحك الغائر ( خندقا ) للصمود ..

    بدوي أورق الرمل له .. أمد يدا .. أصافحك .. ولو ( شبحاًً ) بعد عين .. ! فوطأة الصمت .. وغربة الحلم .. وأشباح السنين .. تشعل حرائق الحسرة .. وليس ثمة مهرب .. وليس ثمة كوة .. ليس ثمة كوة ..!

    التعليقات على الموضوع مغلقة.